لست ممن يهوى نكء الجروح، ولكني شديد الحرص على تشخيص وتحليل مراحل تاريخية عربية وكويتية مهمة للغاية، لا سيما ما صاحب الغزو العراقي للكويت في عام 1990 من خذلان كثير من الدول والشعوب العربية في إشاعة الحماس الجماهيري تأييداً للاحتلال ونكراناً للحق الشرعي الكويتي دولةً وشعباً.

فقد صاحبت تلك الأشهر الأليمة مفاجآت صاعقة على الصعيدين الرسمي والشعبي الكويتي، بسبب مغالطات شتى وأخطاء جسيمة وقعت فيها قطاعات واسعة من الشعوب العربية قبل أنظمتها، لأسباب عديدة، منها ما تتحمله حكومات كويتية قبل الغزو على الصعيدين الإعلامي والسياسي تحديداً.

فقد تقاعست تلك الحكومات الكويتية، بل وقعت في خطأ فادح في عدم تبني رؤية إعلامية واضحة المعالم والأهداف بنفس مستوى الاهتمام السياسي الكويتي الرسمي ومرادف له في مد جسور المساعدات والدعم التنموي لكثير من المشاريع الضخمة والمكلفة جداً في الدول العربية، فقد حضرت المساعدات أمام بصيرة الكثير من الأنظمة العربية، بينما غابت عن شعوب تلك الدول المستفيدة، بسبب غياب سياسة إعلامية كويتية متناغمة إستراتيجياً مع سياسة دعم التنمية العربية.

ليس من الصواب تبرير كل ذلك بسبب «جهل الشعوب ما قدمته الكويت لبلادهم وفي إنشاء المدارس والجامعات والمستشفيات والطرق والمشاريع الاستثمارية، التي تعود على دولهم بعوائد مجزية»، كما ورد نصاً في خاتمة الجزء الخامس من المجلدات الستة لمركز البحوث والدراسات الكويتية تحت عنوان «تاريخ الغزو العراقي لدولة الكويت».

فمصدر «الجهل» كان كويتياً رسمياً أساساً، وليس صحيحاً التبرير أيضاً أن «ذلك الجهل يكمن في عدم رغبة الكويت في الإعلان عن تلك التبرعات من باب أنها من أعمال الخير السرية»، كما ورد نصاً في الخاتمة السابقة الذكر.

برهنت شهور الغزو على سقوط قطاعات من المفكرين والسياسيين والإعلاميين والعامة أيضاً في هاوية «الجهل»، حتى في الدول وبين الشعوب التي وقفت مع الكويت منذ بداية الغزو حتى التحرير.

فالمساعدات الكويتية التنموية في دعم البنية التحتية والمشاريع الموازية في العديد من الدول، كان يفترض أن تصاحبها سياسة إعلامية وتحرّك بنفس المستوى من أجل التواصل جماهيرياً مع الشعوب المتنفعة قبل قياداتها السياسية، لاسيما أن هناك الكثير من هذه القيادات من استفاد مالياً من المعونات الكويتية، بل جرى استغلالها لغايات غير قومية، وهو انحراف عن الغرض الأساسي من المساعدات الكويتية.

إن المساعدات الكويتية هي علنية وليست هبات خيرية، وهي في الواقع قروض تنموية ميسرة لشعوب ودول عربية منذ عقود من الزمن، لذا ليس ثمة ما يبرر «السرية» في كل السياسات التنموية الكويتية للدول العربية وشعوبها، فالهدف الأساسي هو النهوض بمستويات الحياة لرفاهية وتقدم الشعوب والدول وليس أنظمة بعينها.

كانت هناك مقارنة عقيمة وغير عادلة تتصدر المشهد الإعلامي والسياسي والحوارات الشعبية الكويتية، على مستوى ما قدمه الطاغية صدام لبعض الانظمة العربية، التي اتخذت موقفاً مؤيداً للغزو بسبب طباعة الكتب والكراسات المدرسية وعليها اسم طاغية بغداد، بينما المساعدات الكويتية السخية لم تكن حاضرة في العقول والضمائر المستفيدة، بسبب فشل الإعلام الرسمي الكويتي في تصدير تحرك إعلامي ممنهج في التواصل الجماهيري مع شعوب الدول المعنية.

لم يأت الإقرار الرسمي الكويتي اثناء أشهر الغدر وبعده أيضا بأهمية كثافة الوجود الإعلامي الكويتي على المستويين الشعبي والرسمي من فراغ، بل كان نتيجة إدراك سياسي ودبلوماسي واقعي الهدف والمضمون لمواكبة مبادرات شعبية إعلامية وتحرك سياسي بهدف التصدي لسموم ماكينة النظام العراقي طوال سنوات حكم الطاغية صدام حسين حتى قبل عام انهياره وبعده أيضا.

تظل مبادرة مركز البحوث والدراسات الكويتية في التوثيق لهذه الحقبة التاريخية، ذات قيمة علمية ووثائقية، ينبغي أن تتطور إلى الإعداد مستقبلاً لمؤتمر لمناقشة المجلدات الستة، من أجل صدور طبعات جديدة مُحدثة على مختلف الأصعدة لتلافي أيضا ما غاب عن التوثيق في بعض مجلدات المركز، وهو ما قد يقتضي تناوله في وقت لاحق.