انكفأ مسار الحوكمة لدى بنك الكويت المركزي ليذهب في الاتجاه الخطأ محققاً ترتيباً غير مطمئن، حيث حل البنك بقيادة المحافظ محمد الهاشل ضيفاً ثقيلاً على مؤشر ديوان المحاسبة لعام 2019 ــ 2020.

فقد حصد البنك المركزي المركز الرابع في الحوكمة، بينما احتلت هيئة اسواق المال المركز الاول بنسبة %100، بينما ذهب المركز الثاني لبنك الائتمان الكويتي والمركز الثالث لمؤسسة البترول الكويتية.

يفترض أن يتناغم ترتيب الحوكمة مهنياً وتطبيقاً بين بنك الكويت المركزي وهيئة اسواق المال في المقام الأول، بينما جاءت النتيجة على خلاف قواعد الحوكمة المنشودة، وهو مؤشر على أن ثمة خللاً في قيادة البنك المركزي نحو الحوكمة!

اثناء شهور الجائحة كوفيد-19، جلجل السيد المحافظ محمد الهاشل الإعلام المحلي وأروقة مجلس الأمة بتصريحات رنانة بصفته رئيس اللجنة التوجيهية العليا للتحفيز الاقتصادي قبل وبعد استقالته من رئاسة اللجنة، بهدف كما يبدو جذب الانتباه والاهتمام بأفكار لم تكن حصيفة اقتصادياً وغير مأسوف عليها أساساً، فهي لا ترتقي الى مرتبة مرئيات علمية ومنهجية.

تلا ذلك التسريب الإعلامي لخطاب المحافظ الهاشل إلى وزير المالية الشيتان حول موقف المحافظ الشخصي من تخفيض وكالة «موديز» لتصنيف الكويت الائتماني السيادي، وهو ما يدلل على الانتقائية في العمل لمحافظ البنك المركزي، حين ينتفض المحافظ الهاشل لمصلحة ملف معين وتصويره إعلامياً أزمة اقتصادية وقضية رأي عام، بينما الحوكمة غاب نورها عن بصيرة المحافظ، من دون ان نسمع صوتا له كما فعل في الشهور الماضية بشكل غير محايد!

مثلا، من أبرز مبادئ الحوكمة كما وردت في أدبيات دولية كمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD هو «العدالة والشفافية والإفصاح والمسؤولية والمساءلة بهدف تحقيق أعلى درجات النزاهة وحفاظاً على حقوق جميع أطراف أصحاب المصالح وجميع تلك الاحداث في الآونة الاخيرة، لاسيما التطورات المتعلقة بقضايا الفساد».

مهم تذكير معالي المحافظ محمد الهاشل أن قواعد الحوكمة والجزء الخاص بالفساد يبدو انها غير فاعلة ضمن القرارات التي جرى اتخاذها بشكل انتقائي، فبيانات شتى تتعلق بشبهات فضيحة غسل اموال الصندوق السيادي الماليزي لم تدفع المحافظ الى قرار رشيد كما هو مطلوب في مثل فضائح غسل الاموال، فقد آثر الهاشل رمي هذه الجمرة في يد وحدة التحريات لأسباب غير مقنعة موضوعاً وقانوناً.

خروج البنك المركزي عن قواعد الحوكمة، والسكوت عن ذلك، فضلا عن الصمت المطبق ازاء فضيحة غسل اموال الصندوق السيادي الماليزي منذ عام 2016 حتى عام 2020، كلها عوامل ضد مصلحة الدولة العليا داخل الكويت وخارجها، وهو ما يستوجب المساءلة السياسية والقانونية من قبل الأخ سمو رئيس الوزراء الشيخ صباح الخالد.

هذا الانحراف عن معايير وقواعد الحوكمة لا يبشر اطلاقاً بتحقيق اصلاح اقتصادي واداري، وخصوصا حين يكون المصدر بنك الكويت المركزي، وهو ما يعني انعكاس ذلك على السياسة النقدية وكفاءة الرقابة المصرفية وبيئة اقتصادية محفزة للقطاعين العام والخاص.

بلا شك أن لتعثّر الحوكمة لدى البنك المركزي تبعات اقتصادية وقانونية وإدارية وسياسية ايضا، كما انه أي الانحراف يتناقض تماماً مع أهداف الحكومة الحالية بخصوص دعم الحوكمة من أجل التصدي للفساد الإداري والمالي.

كيف سيتعامل محافظ المركزي الهاشل في تقييم الحوكمة في المصارف التجارية في ضوء اخفاقه في تحقيق نسبة تتوافق مع المطلوب من البنوك المعنية؟ وماذا سيكون الموقف اذا حققت جميع او عدد من المصارف التجارية نسبة تفوق حوكمة البنك المركزي؟

بالتأكيد انه التناقض بعينه!!

أن تدني ترتيب الحوكمة وصمت البنك المركزي عن فضائح غسل الاموال ينذران بعواقب وخيمة على الكويت دولة وحكومة، ولابد من قرار سياسي يعيد البنك الى جادة العمل المهني، وإنقاذه من المزيد من الاخفاق في الحوكمة والشفافية، بعيداً عن الانتقائية.