تعودت طوال عملي كصحافي وكاتب أن أتحدث بشكل مباشر حين أجد من يشيع خطاب الكراهية والبغضاء في المجتمع، ولهذا فحديثي اليوم سيكون عن كل شخص يكتب في الصحف المحلية، وهو في حقيقته ليس بكاتب مقالة حقيقي، لكننا تعايشنا معه لأننا تعودنا في الكويت أن نتعايش مع اختيارات الصحف للكتّاب، التي تقوم على المعرفة والتوجه الأيديولوجي والواسطة، وأحيانا التقرب من طائفة أو تيار سياسي معين.

هذا «الكويتب» سليط اللسان ويفتقد أساليب الكتابة الصحافية، ويعتمد على أساليب الصحافة البريطانية الصفراء في السخرية من الآخرين من دون شرح للأفكار والتمهيد لها، وسوق الحجج لتأكيدها.

ولهذا يعتمد وبتعمّد على الهمجية في الطرح لتخويف خصومه ليكون كما «خيشة الفحم» التي تبدع في نشر الوساخة، ولا يُستفاد منها إلا حين تُحرق، والحرق هنا مجازي كما يقال بالعامية «الله ياهو فلان حرقهم حرق بلسانه».

بالطبع هذا «الكويتب» أو «خيشة الفحم» يعتقد، كما عشرات الآلاف ممن تقيح بهم الصحافة العربية، أن الكتابة عبر إحداث الضجيج ستبقيهم على الدوام في المشهدين السياسي والإعلامي، لكنهم ينسون بالطبع مقاصد الآية في وصية لقمان الحكيم لابنه، فالضجيج في السياسة والصحافة كما السلاح النووي لا يقوم به إلا الكتّاب الفطاحل، وحين تكون هناك ضرورة، ويمارسونه بطريقة «آخر العلاج الكي».

أما «كويتبنا» هذا فهو دائم الضجيج، وهو تماما كمن تجده يصرخ في الأسواق والأماكن العامة بصوت بشع، وبنبرة عالية ووقحة ليلفت الانتباه فتلتفت له لكنك لا تجد غير «أنكر الأصوات».

هذا «الكويتب» يطرح نفسه ككاتب ليبرالي، لكنه بعيد عن الليبرالية في معانيها الحقيقية كفكر حر «كبعد عبدلي عن وفرة» كما يقول المرحوم عبدالحسين عبدالرضا في دور عنترة العبسي بأوبريت بساط الفقر.

هذه الليبرالية المصطنعة يستغلها عاشق الضجيج هذا ليغلف بها كل ما يخرج من جوفه من قيء مذهبي ضد خصومه من المذهب الآخر، وحين يتهم بذلك يلجأ للضجيج فيردد «الحرية.. الليبرالية.. الرأي الآخر»، ليتحول المشهد وكأن دلالاً في سوق الجمعة يطالب بأن يكون المدير التنفيذي لدار كريستيز للمزادات.

«زين تسوي فيهم» هذه العبارة هي أكثر العبارات التي تُطرب الكويتب فوظيفته في هذه الحياة أن «يطلع حرة وغيظ» أصدقائه من جوقة الليبرالية المصطنعة ضد خصومهم التقليديين.

لولا أن حرية التعبير بما فيها من جمال، وبما تتضمنه أحيانا من قبح، حين يستغلها أمثال هذا الكويتب في إيذاء مشاعر الآخرين، تعلو على ما سواها، لطلبنا من وزير التجارة المجتهد خالد الروضان أن يجعل وضمن عمل إدارة حماية المستهلك، قسماً يحمي المجتمع مما نراه من سلع رديئة ومضرة ومقلدة في كثير من المقالات التي فاضت بها مجارير الكتابة الصحافية.

لا نطالب بوقف أي كاتب أو كويتب، لكننا ندعو الجميع إلى الحرص على تقديم منتج صحافي راق ومفيد وممتع وجريء وصادم وواقعي ومؤلم إن استدعت الضرورة، فدور الصحف ومنصات النشر الإلكتروني ليس مجرد النشر، بل يتعدى ذلك الى تهذيب ما ينشر بإتاحة الفرصة للمبدعين، وبمنع تمرير البذاءات والمس بالآخرين، وبجعل الحرية بلا سقف يحد من التعبير، لكن مع وضع أسقف ذكية تمنع أن يتسلل إلى عالم الكتابة «المصاكة» و«الفتوات» الذين استبدلوا «العجرة» بالأحرف البذيئة، والمسدسات بالأكاذيب.

ولعشاق عبارة «ومن يحدد هذا السقف» نرد بأن الحرية المطلقة في الكتابة وغيرها متاحة للجميع، وسقف أي حرية يحدده الإنسان، أما عملية النشر فهي مجرد إجراء تنظيمي، ويفترض أن تتم بذكاء، بحيث تتيح حرية التعبير، وتمنع في الوقت نفسه الخطاب الذي يشيع الكراهية والبغضاء ويشجع أو يستدرج العنف.