بدأ حياته مدرساً لا يملك من هذه الدنيا سوى راتبه الشهري، الذي لا يكفيه لتحقيق طموحاته وأحلامه وخيالاته الواسعة وأبراجه العالية، فكر ملياً كيف يصعد ويصل بأسهل الطرق وأقصرها ويخرج من مستنقع الفقر إلى بحور المال والأعمال ودنيا الثراء والإثراء، فقاده تفكيره الخبيث إلى دولة الإخوان المسلمين العميقة، فكل ساقط له لاقط، كما يقول المثل الشعبي، وعلى طريقة نيوتن صرخ بأعلى صوته وجدتها وجدتها، فالمسألة بسيطة وسهلة، فأطلق اللحية وقصّر الدشداشة وأمسك السبحة وحفظ بعض الآيات والأحاديث لتكتمل العدة والصورة، وبدأت رحلة الصعود، فقد انضم للجماعة واحتضنه الكبار، ومن مدرس مغمور إلى عضو مجلس أمة مشهور، وهذي الكويت صل على النبي، يعقد الصفقات ويحيك المؤامرات ويوفق بين الخصوم السياسيين بالحلال ولكل شيء ثمن والأجر مقابل العمل «فلا يمكنك أن تغتني عن طريق السياسة إلا اذا كنت فاسداً بحسب رأي هاري ترومان»، حتى تضخمت ثروته وانتفخ كرشه حاله حال كل إخونجي دخل البرلمان فقيراً وخرج مليونيراً، لكن طموحه العالي وسقفه المرتفع لا يكفيانه لتحقيق رغباته وغاياته وهواه الجامح، فالرجل يعشق الصعود إلى الأبراج العالية، والبرلمان لم يعد مصدراً للكسب والربح، ولقب عضو مجلس الأمة أصبح صغيراً عليه، فمن ضمن رغبات وطموحات الرجل القابعة في العقل الباطن أن يكون رئيس مجلس إدارة إحدى الشركات الكبرى، فالسيد يريد أن يعوض النقص وينسى سنوات العذاب ويغسل أيام الفقر والضياع، وبالفعل كان له ما يريد وخرج من الظلمات إلى النور، فمن دخل دار الإخوان فهو في أمان، ولأنه ليس بـ«ابن كار» سقط عند أول اختبار وما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع، فالتجارة شطارة ومهارة وليست جمبزة وعيارة، وقد دار الزمان دورته ومن دنيا المال والأعمال إلى عالم الجرائم والمحاكم، ولأننا في بلد لا يعير بعض مسؤولوه للقانون أي اعتبار، استطاع الفرار ومعه الملايين ليعيش في بلاد الله الواسعة، بعد أن حكم عليه القضاء بالسجن، ولأن الاخوان المسلمين يكرهون دخول السجون قضى كل تلك السنوات الطويلة هارباً حتى سقطت عنه العقوبة بحكم القانون، ليقرر أن يعود إلى بلده وكأن شيئاً لم يكن، فقد كان يردد دائماً بابتسامة خبيثة وماكرة الكويت لنا، عندما كان الجميع يصرخ بضمير كلنا للكويت، لكنني كنت دائماً أتساءل: لماذا لم تلاحقه الحكومة طوال تلك السنوات الماضية؟ وماذا كانت تنتظر؟ وكيف كان الرجل يجدد جواز سفره للحصول على الإقامة في الخارج وهو هارب من العدالة وفي ظل وجود أحكام جزائية صادرة بعقوبة الحبس في حقه؟ وأين الانتربول؟ فالقضية مالية وليست سياسية، وهل تقف خلفه عناصر ترغب ببقائه خارج الكويت حتى لا ينكشف أمرها؟ أسئلة حائرة ولن تلقى لها إجابة مهما طال الزمن أو قصر، فالقضية دُفنت مثلما تم دفن قصصه ومغامراته في البرلمان!

قصارى القول تاريخ الرجل وسلوكه يجب أن يُدرّس لكل من يرغب بدخول عالم الإجرام من أوسع الأبواب والسجون، فكل ما تحتاجه هو العيش لمدة عشر سنوات في جنات نعيم بلاد الضباب، وبعدها تعود إلى بلدك لتقضي سنوات عمرك الأخيرة متفرعاً للعبادة وزيارة الدواوين وسرد القصص والروايات عن مغامراته وتاريخه في النضال مع الفاسدين، ولا أعلم لماذا لم يدرك أو ينتبه من يهمه الأمر طوال تلك السنوات إلى تعديل قانون سقوط العقوبة الجزائية بمضي المدة حتى لا يستفيد الحرامي الشاطر من ذلك الأمر، ويصبح هو الذكي ونحن الأغبياء.. وفقاً لمنطقه الإجرامي بالطبع!