انقلبت الموازين اليوم تمامًا في عالم الاتصال ودنيا المعلومات وثورتها المتسارعة، فالأخبار السيئة تنتشر كالنار في الهشيم، يلعب كل إنسان بنفسه دور الصحفي، والمراسل، والمذيع، والمصور، والناشر، بل ورئيس التحرير ومدير القناة أحيانًا، حتى غدت أمورنا وحياتنا الخاصة تتحول إلى موضوعات عامة ترددها الألسن!

وعلى الصعيد الآخر فقد تجاوز كم المعلومات المتاحة عن الأفراد اليوم كل الحدود وبشكل غير معهود، ونظرًا إلى تضاؤل قدرتنا على التحكم في كم ونوعية المعلومات المتداولة عنا يومًا بعد الآخر، فقد أدى ذلك إلى طفرة إدارية في نظم الاتصالات التقليدية، فرسالة بريدية واحدة، أو تقرير مغلوط على أحد المواقع الاجتماعية، أو حتى تعليق مسيء على موقع "فيسبوك"، والذي يزيد نسبة عدد مستخدميه على 2.121 بليون عالميًا، أو "تغريدة" تويترية من شأنها أن تودي بسمعتك أو سمعة مؤسسة أو مسؤول أو دولة للهاوية والإحراج في الحال وربما إلى الأبد!

آلان بيرنشتين وسيندي مؤلفا كتاب "العلاقات العامة واستراتيجيات إدارة الأزمات" يقولان: وما الدنيا إلا "تغريدة"! فاليوم يصل عدد مستخدمي "تويتر" إلى 166 مليون مستخدم يومي نشط، ومازالت الأعداد في تزايد مستمر، ويتمتع فيه رؤساء الدول وكبار المشاهير ورجال الأعمال بآلاف المتابعين لحساباتهم الخاصة على موقع "تويتر" بما في ذلك: ترمب، وأوبرا، وأشتون كوتشر، وأوباما.. وكثير من المؤسسات والعلامات التجارية العالمية.

وفي المنعطف نفسه، نجد أن الثورة "التغريدية" أحدثت طفرة في عالم الأخبار والمعلومات، وقد بات الدور الصحفي والإعلامي الذي يتبناه المستخدمون لهذا الموقع سببًا في احتدام المنافسة بينهم وبين وسائل الإعلام التقليدية كمصادر للمعلومات، فلم يعد بإمكان البرامج التلفزيونية ولا الصحف والمجلات الإخبارية أن تنفرد –كما اعتادت– بالعناوين والأخبار الحصرية، حتى الشركات الإعلامية نفسها أصبحت منصة "تويتر" وسيلة للتنويه عن أهم وأحدث الأخبار بما في ذلك قنوات: سي إن إن، ونيويورك تايمز، ووول ستريت، وفوكس نيوز.. وكثيرًا ما تقوم بعض هذه المؤسسات الإعلامية بنشر الأخبار المثيرة للجدل –فيما يُعرف بـ"الفرقعة الإعلامية"– عبر "تويتر" للانفراد بالنشر والسبق والمتابعة.

ولم يقتصر مفعول هذا الموقع الاجتماعي السحري على الجانب الإعلامي والتجاري فقط، بل كان للهيئات والقطاعات الحكومية نصيب في هذا، حيث بدأت هذه الهيئات في الاتجاه نحو هذه التكنولوجيا الحديثة كوسيلة لنشر وبث الأحداث الطارئة، كما شرعت الحكومات في خلق جسور من التواصل مع مواطنيها من خلال المواقع الاجتماعية للتنويه عن الكوارث والحوادث الطارئة عبر "تويتر" والذي كان له نصيب الأسد من هذه الاستخدامات، ولعلنا نعيشه اليوم من خلال ما ينشر عبره جميع الأخبار الصحية كتطورات "كوفيد 19"، وقبله الكثير من الأمراض والأوبئة، ومستجدات الظواهر الطبيعية الكارثية كالفيضانات، والأعاصير، والحرائق.. وما يترتب عليها من عمليات تهجير وإخلاء.

أخيرًا، استطاع "تويتر" بطبيعته البسيطة، ودوره المعقد في الوقت نفسه، أن يحل محل أنظمة البث للأحداث الطارئة والمتبعة إعلامياً في إدارة الأزمات منذ العام 1963م في لمح البصر، لتكون فعلاً.. وما الدنيا إلا تغريدة!