استضافت المملكة العربية السعودية الشقيقة العديد من القمم الخليجية والعربية والإسلامية، وقمة مجموعة العشرين، افتراضياً، بحكم ثقلها ومكانتها على الصعد والمستويات كافة، ويكفيها قدراً وتشريفاً أنها بلاد الحرمين الشريفين، إلا أن استضافتها قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي الثلاثاء الماضي كانت متميزة ونوعية ليس فقط لاستثنائية القمة، وما أسفرت عنها من نتائج استثنائية فتحت صفحة جديدة بين الأشقاء، وإنما لاستثنائية المكان، رائع الجمال في أحضان الصحراء، وفي حضرة التاريخ والعراقة والأصالة.
كان المكان بروعته وجماله مفاجئاً لي وللملايين من البشر حول العالم، وبالأخص لأبناء المنطقة، ونحن كثيرو التردد على المملكة، وعلى مدار العام لاعتبارات عديدة، في مقدمتها وشائج القربى والروابط التاريخية، وكذلك خلال مواسم الحج والعمرة.
كنا كمن يسمع بالعُلا لأول مرة، بينما المكان قائم منذ آلاف السنين، ويعد متحفاً مفتوحاً يروي للعابرين قصص قوافل تجارة البخور والحجيج، ويضم أول موقع تاريخي في المملكة يدرج في قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي، فالمحافظة الواقعة شمال غربي المملكة، تمتد كمساحة دولة بمساحتها التي تقدر بـ 22561 كيلو متراً مربعاً. ويعد المركز الذي احتضن القمة أكبر مبنى مغطى بالمرايا، وواحداً من عجائب المعمار الحديث في العالم. حيث تبلغ مساحة واجهة المبنى الخارجية 9740 متراً مربعاً من المرايا، ما أهله لدخول موسوعة جينيس للأرقام القياسية كأكبر مبنى مغطى بالمرايا في العالم. المبنى صممه الإيطالي فلوريان بوجي؛ مستوحياً الطبيعة المحيطة، تلك الطبيعة التي ألهمت الأنباط في الحضارات الإنسانية فنون العمارة قديماً، وليكون امتداداً للمنظر الطبيعي المحيط به؛ إذ تعكس مراياه المنحدرات الرائعة والتكوينات الصخرية الأسطورية، ناهيك عن مشهد الغروب الرائع ليجعل منه تحفة فنية إبداعية. فالمبنى الذي يقع في وادي عشار بالقرب من سفح حرة عويرض البركانية، يتخذ شكلاً مكعباً تغطي جدرانه الخارجية المرايا بشكل كامل ليتماهى مع الطبيعة الساحرة المحيطة به، ولطالما ألهمت المعماريين والفنانين والمبدعين على مدى العصور والأزمان.
وأولت السعودية خلال السنوات القليلة الماضية المكان اهتماماً كبيراً من خلال الهيئة الملكية للعلا لتتولى مشاريع تطويرها، والحفاظ على طبيعتها الجميلة، ولكن تظل للترويج أهميته الكبرى للتعريف بمثل هذه المناطق رائعة الجمال، ومن دون ذلك ستظل كنوزاً منسية في قلب الصحراء. حفظ الله السعودية ملتقى للخير، وذخراً للأشقاء والخيرين.