بعد قمة العلا الثلاثاء الماضي سنرى مجلس التعاون لدول الخليج العربية بصورة أجمل وأقرب إلى الأمل الذي عبر عنه مواطنو دول المجلس "كما ورد في بيان العلا" بأن يعود العمل المشترك إلى مساره الطبيعي وتعزيز أواصر الود والتآخي بين شعوب المنطقة"، وهذه هي الأهداف نفسها التي وردت في نظام تأسيس المجلس في 1981، حينما وجدت تلك المنظومة القوية بحكمة وعزم قادة الدول المؤسسة وبمباركة شعوبهم لتحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين، وصولا إلى وحدتها وتوثيق الترابط بين شعوبها. أهداف كبيرة شملت جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والزراعية والصحية والسياحية، حتى الإعلامية والبحث العلمي وإقامة مشاريع مشتركة وتشجيع تعاون القطاع الخاص، وسارت عجلة العمل لتحقيق هذه الأهداف منذ أن تولى عبدالله بشارة، الأمين العام الأول للمجلس إجراءات التأسيس، وأعطته عبارة الملك خالد بن عبدالعزيز دفعة قوية ما زال يذكرها في كل لقاء إعلامي، حينما قال له: "يا عبدالله، اسمك بشارة ووجهك بشارة وعملك بشارة"، فعلا كان تأسيس المجلس كله بشارة خير لشعوب هذه المنطقة، لكن "الرياح تجري أحيانا بما لا تشتهي السفن" كما يقال، فقد مرت على المجلس عواصف كثيرة من حروب وتحديات حتى جاءت الأزمة التي أثرت كثيرا في تواصل الدول قبل أكثر من ثلاثة أعوام، وجاء الفرج في قمة العلا التي رحبت فيها بلادنا ممثلة في ولي العهد الأمير محمد بن سلمان نيابة عن قائد المنطقة الكبير وصوت الحكمة والمرجعية لها الملك سلمان بن عبدالعزيز، فطويت صفحة الأزمة ليبدأ مجلس التعاون مسيرة جديدة لتنفيذ الأنظمة التي تعطل وضعها في الأعوام الماضية، بسبب الظروف التي أشرنا إليها وأهم تلك الاستحقاقات "استكمال متطلبات الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة، ومنح مواطني المجلس الحرية في العمل والتنقل والاستثمار والمساواة في تلقي التعليم والرعاية الصحية وبناء شبكة سكة الحديد الخليجية، وتشجيع المشاريع المشتركة" وقد وردت هذه الإشارات الإيجابية وأكثر منها في بيان العلا.
وأخيرا: بلغ مجلس التعاون الخليجي 40 عاما، وهذا هو سن اكتمال القوة. والمؤمل من الأمانة العامة للمجلس وعلى رأسها خبير اقتصادي معروف وهو الدكتور نايف الحجرف أن يولي استكمال وتقوية الأنظمة الصحية والاقتصادية بالذات اهتماما كبيرا، ويمكن الاستفادة من النجاحات السعودية البارزة في هذه المجالات وغيرها، خاصة أن عضويتها ورئاستها لمجموعة العشرين قد منحتها فرصة الاطلاع والاستفادة من الأنظمة والتجارب الدولية الناجحة، وقد ظهر ذلك في معالجتها لأزمة كورونا وحماية صحة المواطن السعودي، وكذلك الاقتصاد السعودي من تأثيرات أكبر مما حدث في دول عديدة. وبقي أن نشيد بجهود جميع الأمناء العامين الذين تولوا قيادة الأمانة العامة، ولكن المرحلة المقبلة أهم خاصة بعد زوال معوقات التنفيذ للأهداف بعزم القيادات وأمل الشعوب.