إذا ألغى «الإخوان المسلمون» هدف قيام الخلافة، مِن برامجهم الحزّبية والفكريَّة، عندها سيقطعون علاقتهم بالماضي، ويتحرون مِن عقيدة العالميَّة إلى المحلية والوطنيَّة، وهذا ليس في حسابهم، خصوصاً بعد إنشاء «التَّنظيم الدولي»، فالخلافة هي الفكرة الجوهريَّة لهذا التَّنظيم المتطرف، صحيح ظهرت لهم أحزاب على المستوى المحلي، وكان أول مَن أقدم على إنشاء التَّنظيم الحزبي فرع الإخوان العراقي(1960)، وما زال قائماً، عنوانه «الحزب الإسلامي العراقي»، ثم ظهرت أحزاب «الإخوان» تباعاً، بعناوين مغرية: «النَّهضة»، «العدالة والتنميَّة»، «الإصلاح» وغيرها، لكن هناك التَّنظيم الإخواني، وما هذه الأحزاب إلا واجهات.
غير أنَّ استلام «الإخوان» للسُّلطة بتركيا، دار الخلافة الإسلاميَّة مثلما يعتبرها «الإخوان»، تقلص الشّوط الطويل لها، وبعد وصول «الإخوان» ببعض البلدان إلى السُّلطة، وخصوصاً بدار الفرع الأمّ مصر كَبُر الظَّن إلى اعتبار الخلافة «قاب قوسين أو أدنى»، لتعم البلاد الإسلامية ذات الكثافة السنيَّة كافة، يُقابلها الجانب الآخر الممثل بولاية الفقيه، حيث الوجود الشِّيعي الإماميّ، وبهذا يعود العالم الإسلاميّ مناصفة مثلما كان في أكثر مِن زمن بين الفاطميين والعباسيين، والصَّفويين والعثمانيين، فالجانبان، «الإخوان» وولاية الفقيه، لا يخرجان عن الماضي قيد أُنْمُلة.
لكلِّ ما تقدم، ما تحدث به «الإخواني» عبد المجيد الزَّنداني ليس تغريداً خارج السرب، وأقصد سرب الإسلاميين عموماً، إنما تعبير عمَّا يخططون ويفعلون. كان الزَّنداني ذكياً، عندما نسب تحديد وقت للقيام الخلافة إلى أكبر قوتين، على المستوى النَّووي، روسيا وأميركا، ليزيل العائق الدولي مِن قيامها، فنسب إلى نائب مجلس الدُّوما(البرلمان الرُّوسي)، أن قيام الخلافة سيكون العام(2020)، واستشهد بما نسبه إلى تقرير لمجلس الأمن القومي الأميركي، رُفع إلى باراك أوباما(2008-2016) يُفيد بأن العام(2025) ستعلن الخلافة. هذا، ولم ينس الزَّنداني تأكيد شرعيَّة الخلافة، بما أورده مِن أحاديث نبويَّة، وذلك في خطابه الجماهيري، خلال التظاهرات بصنعاء التي أدت إلى سقوط علي عبد الله صالح(قُتل: 2017).
مما قاله الزَّنداني في توقعاته عن قيام دولة الخلافة، التي اعتبرها «مشيئة إلهيَّة»: «في رمضان الذي مضى كنت أتكلم عن تقارير سياسية، وعن تقارير خُلاصات، وعن أبحاث شرعية، كلُّها تشهد بأنَّ عصر الخلافة الجديد في الطَّريق، قرر مجلس الأمن القومي الأميركي، في آخر تقاريره، التي قدمها إلى أوباما أنَّه العام 2025 سوف يعلن المسلمون قيام الخلافة، وأتى نائب رئيس مجلس الدوما، البرلمان الرُّوسي، في كتاب له عن صراع الحضارات، يقول فيه: في عام 2020 سنشهد قيام حضارة عالميَّة جديدة، تمتد مِن الصّين شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً، واسم هذه الحضارة الخلافة الإسلاميَّة»(فيديو، خطاب مؤرخ في 24/8/2011).
كان الفرق بين التوقع الرُّوسي والأمريكي خمس سنوات، وهذا ليس مهماً في الهدف المزعوم الذي يشرئب إليه «الإخوان»، غير أنَّ الزَّنداني نفسه، وهو يخاطب «الإخوان» المسلحين في مظاهرة أُعلن أنها سلميَّة! نسى أنه كان أحد مثبتي ذلك «الحكم الجبري»، وسبق له، في ما مضى، خاطب الإمام أحمد حميد الدِّين(1948-1962): «زهت الكائنات في يوم عيد النَّص/ ر يوم القريض والتَّغريدِ/ هو يوم انتصار خير مليكِ/ في الوراء غير مبدئ ومعيدِ/ ملك الشَّعب بالسَّماحة والبرِ/ وبالعدلِ والتَّقوى وعظم الجودِ»(سبأ/ العدد 14/1953).
نرى الزَّنداني يؤمن بالقدر بتكهنات مَن يعتبرهم كفاراً، لكن إذا كان ما آمن به مِن توقع مُقدر على المسلمين قيام الخلافة(2020)، قبل تسع سنوات، وإذا البشرية، مِن الصين شرقاً إلى المحيط غرباً، تواجه الوباء الأعظم، فماذا يتوقع في(2025)، هل سيظهر بالفعل فيروس «الخلافة» وفق نهجهم؟! لقد سبقهم، مَن يدعونه زنديقاً، المعري(ت:449هجريَّة): «تَقِفونَ وَالفُلكُ المُسَخَّرُ دائِرٌ/وَتُقَدِّرونَ، فَتَضحَكُ الأَقدارُ»(اللزُّميات/ اللُّب القُطب)!