يدخل النقد من ضمن المفاهيم المتأخر قبولها في ثقافتنا، لكن النقد ليس شيئًا واحدًا، بل يحمل مقاصد متباينة، ويظل النقد البناء هو المطلوب، والذي يكون مبنياً على حقائق ثابتة، والغرض منها تقديم آراء صحيحة ومدروسة حول أفكار وأعمال الآخرين، وعادة ما يتضمن تعليقات إيجابية وسلبية، ولكن بطريقة موضوعية، وغالبًا ما يكون هذا النوع من النقد أداة مطلوبة من أجل رفع معايير الأداء والحفاظ عليها.

قد يحمل النقد وجهاً سلبياً بسبب الإفراط في استخدام النقد السلبي المزعج، وبالتالي يتحول بعض الناس إلى دفاعيين بسبب أحياناً الخلط بين الجوانب الشخصية ونقد العمل، ويحظى هذا التوجه بالجماهيرية لما فيه من إثارة، فالهجوم الشخصي يطغى في بعض الأحيان على النقد البناء من أجل كسب مزيد من الإثارة والجماهيرية.

من المرجح أن يتم قبول النقد البناء إذا كان النقد يركز على عمل أو مشروع أو أسلوب إداري، بمعنى أنه يجب تجنب المشكلات الشخصية قدر الإمكان، ويمكن أن يساعد التفكير النقدي في تحديد القضايا ذات الصلة للتركيز عليها، وقد يتبنى الأفراد الحساسون بشكل خاص موقفًا سلبيًا مهزومًا إذا رأوا أن الموقف شخصي أو واسع الانتشار أو دائم، وقد يتبنى البعض الآخر استجابة عدوانية إذا تجاوز النقد الموضوعية..

تنتشر هذه الثقافة السلبية في وسائل الاتصال الاجتماعي، حيث يفتقر إلى الاتصال وجهًا لوجه، ويمكن أن يساء تفسير النقد البناء بسهولة، وغالبًا ما تخرج عمليات التبادل عبر الإنترنت عن نطاق السيطرة، لتصبح مشتعلة إلى درجة عالية، ويتطلب النقد الفعال لغة أكثر ليونة وتضمين تعليقات إيجابية، لكن عندما يقترب من الشخصنة، يصبح النقد غير المسيء تحديًا.

عندما يتلقى أيًا كان نقدًا بناءً، عليه أولاً أن يتحكم في ردة فعله الأولى عند أول إشارة للنقد، وسيكون لديه ربما ثانية واحدة على الأقل لوقف رد فعل مسيئة، وقد تبدو ثانية واحدة غير مهمة في الحياة الواقعية، لكنها وقت كافٍ للعقل لمعالجة الموقف، وقد تكون أكثر الإجابات توفيقاً أن تشكر النقد لعملك قبل أن تندفع في ردة فعل قوية، والأفضل أن تعدها مراجعة لما عملته، فالبناء يحتاج في أوقات كثيرة إلى ترميم، وقبل ذلك أن يسبق ردك تقويماً لما ذُكر في النقد، وإن تتحقق من الموضوعات الذي ذكرها في نقده الموجه، فقد تكون مفيدة وفرصة كبيرة لتقويم العمل، ومراجعة طريقة العمل.

في هذه المرحلة، تجنب تحليل أو التشكيك في تقييم الشخص؛ بدلاً من ذلك، ركز فقط على فهم تعليقاته أو وجهة نظره، قل له شكراً لك بعد ذلك (وأنا أعلم أن هذا جزء صعب)، وانظر إلى عيني الشخص وأشكره على مشاركة ملاحظاته معك، لا تتجاهل هذا - كن متعمدًا، وقل، «أنا أقدر حقًا أنك استغرقت وقتًا للتحدث معي عن هذا». لا يعني التعبير عن التقدير أنك توافق على التقييم، ولكنه يظهر أنك تقر بالجهود التي بذلها زميلك لتقييمك ومشاركة أفكاره.

لهذه الأسباب يحتاج كل عمل ناجح إلى مراجعة من قبل نقاد مستقلين، وقد يكون مفيدًا للغاية إذا هم التزموا بالقواعد الأخلاقية للنقد البناء، ويأتي في مقدمتها عدم التطرق إلى الأشياء الشخصية، والتركيز على الأفكار والتطبيقات بصورة موضوعية خالصة..