ثمة اجتهادات فردية مثقلة بالخطأ الجسيم، ليست لها مبررات علمية ومهنية إعلامية، في تقييم مقالات الكتّاب، بل هناك تهويل حيناً، وعويل حيناً آخر، عند البعض في تقييم آراء الكتّاب، خصوصاً حين يكون التحفُّظ على رأي صاحب المقال لمصلحة الدفاع عن الطرف المعني وحمايته، من دون تبرير موضوعي.

هناك شتى الأساليب في التعبير والتوصيف ضمن طيات المقال، بهدف التركيز على الأخطاء المرفقية والبشرية أيضاً في أجهزة الدولة، في حين يلجأ البعض إلى وصف بعض المقالات وكاتبها بالقسوة، خشية من الإعلان الصريح عن الموقف الموالي للمتضرر من النقد الموضوعي.

فالغاية الخفية، تكمن في تقديم الحماية لعلاقة ومصلحة شخصية مع قيادات حكومية لأسباب غير موضوعية؛ لذا يميل أصحاب المصالح الشخصية إلى وصف ما ينشره البعض بالقسوة في التعبير عن آراء نقدية بنّاءة وموضوعية ومعمقة برؤية علمية ومهنية، تقوم أساساً على قواعد الكتابة الصحافية الرصينة والتعبير الحصيف.

ليس دور الكاتب دغدغة مشاعر القياديين في الدولة، أو توجيه نقد منمّق بالمفردات الرخوة، تفادياً لانزعاج شرذمة من الناس وتذمّر قيادات حكومية من الانتقاد ضمن محيط الأصدقاء ووسط بيئة العمل؛ فالنقد بالتعبير عن الآراء، حتى لو تكرر مراراً وبكثافة، لا يعني استهدافاً للجانب الشخصي للموظف العام.

ينبغي على من يتقلّد منصباً عاماً تلقّي ــــ برحابة الصدر ــــ ما يوجّه إليه من نقد لاذع وقاسٍ في مفرداته ومضمونه وهدفه، فإصلاح الانحرافات والاعوجاج يقتضي صراحة بالتعبير الدقيق، وهو من متطلبات إنقاذ المصلحة العامة بصرف النظر عن عدد وحجم المنزعجين والمتضررين من النقد، حيث إن الهدف أساساً كشف الأخطاء وتصويب السهام إلى كل ذلك.

هناك كُتّاب وصحافيون مكشوفون في الأهداف من خلال نشر الأخبار والمقالات، التي تهيمن عليها لغة التملّق والتزلف، ولعل السبب في وجود بيئة محفزة ومؤازرة لمثل هذه الكتابات، وهي في الواقع فاقدة القيمة والمبنى والهدف، ربما بسبب المردود المصلحي أو المادي، وهو فساد إعلامي بعينه.

في مراحل الانحدار وضيق خيارات النشر البديلة، تتفوق إشاعة ثقافة خرافة الحماية والوصاية، وما يتم تسويقه تحت مظلة «الحياد» الصحافي الموهوم، والمزعوم حديثاً وليس فعلاً وقراراً!

التفنن في الادعاء في مواجهة الفساد، قولاً ونشراً، لهو فعل سهل لمن يلهث وراء بناء واجهة زائفة لتشويه الواقع بفعل عقل خاوٍ وإدارة ضعيفة، لا تقوى على صناعة قرار موضوعي ومهني، وهم كثر في الإعلام العربي.

المفارقة أنه ليست هناك جهة مهنية أو رسمية يمكن اللجوء إليها في الشكوى لتبنّي الدفاع عن الرأي المستنير مقابل العقل المتخلّف والمهيمن على القرار المتحيّز مضموناً ونهجاً!

لكن، إذا ما شاء كاتب، مجاراة هذا السقوط الأخلاقي فهذا يعني بناء نصوص تقوم على توجيه النقد بأسطر من الحرير والتطريز بمفردات متزلفة، لكي لا تخلق انزعاجاً عند أي طرف، بل اللجوء إلى تصدير لغة الدلال والدلع، كما تفعل الحكومات لفئات انتقائية من الشعب، تفادياً للوقوع في قسوة القرار والموقف!

يتضح في الزمان القبيح أن المطلوب بكثافة وقوة تصدير خطاب المدح للمسؤولين، حيناً، في حين يمكن، حينا آخر، أن تتغير التوجّهات لدار النشر إذا تلاقت المصالح الشخصية مع أجندات مصابة بنوبات التغيير والانقلاب السريع وغير الخجول مهنياً وأخلاقياً.

فالأهم، والمهم، استمرار التكسّب المادي والشخصي، حين لا يكون للحياء حيزٌ في قاموس من ارتضى أن تكون لغة الصحافة والكتابة لغة لينة وناعمة، تنسجم مع السلوك المائع المتأصِّل أساساً عند أصحاب اللغة الرخوة!