المعركة مع الإسلاميين، عموماً، في تونس، وفي صدارتهم حركة النهضة، ليست معركة سياسيَّة فحسب، وإن كان النزال استوطن الميدان السياسي منذ مدة.. وقائع كثيرة تثبت أن الأثر الأخطر للإسلاميين هو سعيهم لتركه في المجتمع، عبر تغيير البنى الاجتماعية للتونسيين، من خلال التركيز على استقطاب التلاميذ والناشئة والشباب، ومحاولة نشر الأفكار المتطرفة في صفوف الأطفال والتلاميذ.

قضية الأثر الاجتماعي للإسلاميين عادت إلى واجهة الاهتمام في تونس في الأيام الأخيرة، منذ كشف بيان الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وبث تحقيق إذاعي مصور، عن وجود معلمين في محافظة «المَهْديَّة» يدرّسون بلباس أفغاني ويقدمون دروساً من خارج المناهج الرسمية ويفرضون الفصل بين الإناث والذكور، ويحرّمون استعمال الصور والتلفزيون والموسيقى.

تواتر التنديد السياسي والمدني والرسمي بهذه الحادثة، وتأكيد وزارة الإشراف أنها بصدد فتح تحقيق حول الحادثة، لا يحجب أن هذه الظاهرة لا تقتصر على محافظة المهدية، بل تنتشر في مناطق كثيرة في جهات البلاد، فضلاً عن كونها ليست بنت اللَّحظة السياسية الراهنة، بل إن أحداثاً مشابهة كثيرة وقعت في السنوات الماضية، من قبيل ما راج من جدل حول قضية المدرسة القرآنية في الرقاب (مدرسة خارج الإشراف الرسمي لوزارة التربية وتحت سيطرة سلفيين متطرفين).

امتداد الظاهرة في الزمان والمكان، يوحي بأن الإخوان في تونس، ومَن على شاكلتهم، يَجْهَدُونَ من أجل نشر الأفكار المتطرفة في المدارس والمعاهد والجامعات والشوارع والمساجد (من قبيل تحريض إمام الجمعة في محافظة قَفْصة على تلميذات يُمارسن الرياضة ضمن فريق نسائي لكرة القدم واصفاً نشاطهن بالاختلاط المُحرّم وممارسة الرذيلة)، وهو جهد يسير بالتوازي مع المعارك السياسية التي تخوضها النهضة، والتي تستعمل فيها كل الوسائل المادية والدعوية والاستعراضية على غرار ما حدث في مسيرة السبت قبل الماضي.

محاولة نشر الأفكار الدَّاعشيّة المتطرفة التي ترنو إلى تحقيق هدفين على الأقل، الهدف الأول: توفير حاضنة شعبية مستقبلية للأحزاب والتيارات الإسلامية، أما الهدف الثاني فهو تغيير هوية المجتمع وثقافته وعاداته وتدمير علاقته بالدولة الوطنية والتشكيك في التاريخ الوطني، وإشاعة أفكار مغايرة للقيم الوسطية التونسية.