يخبرنا المؤرخون والشهود الذين لا يزالون احياء ان الاضطرابات والثورة على عهد الرئيس بشارة الخوري في نصف ولايته الممدة عام 1952 والتي أطاحت عهده ودفعته الى الاستقالة لم تبلغ شيئا بموازاة الانهيارات والثورة والكوارث التي تضرب لبنان حاليا بعصف مصيري لا سابق له .

ومع ذلك يحق لنهاد المشنوق ان يسارع الى التذكير بانه اول من رفع معادلة “الاستقالة في مقابل الاعتذار” متكئا على تجربة صائب سلام مع بشارة الخوري ولو ان المناداة بنهاية او بانهاء مبكّر لعهد ميشال عون بدأت تتصاعد مع انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 ولم تتأطر ولم تؤد الا الى امعان هذا العهد في نموذج الحكم الأشد سؤا في تاريخ العهود اللبنانية متخطيا حتى عهدي الهراوي ولحود في ظل الوصاية السورية .

ولكن تبدل الازمان والظروف واستعصاء اسقاط العهد والسلطة والطبقة السياسية على المنتفضين والثوار منذ سنتين حتى اللحظة لا يحجب انكشاف فداحة آخر السقطات الناجمة عن سؤ حسابات متأصل في طبائع وسيرة هذا العهد وفريقه السياسي، والتي جعلته يطلق الرصاص مجددا على قدميه ظنا منه انه سينجح في الاجهاز في لحظة مؤاتية على “قدر” دستوري غاشم تجسد امامه منذ اقل من ستة اشهر في صورة رئيس حكومة مكلف اسمه سعد الحريري . بصرف النظر عن الشكل النشاز مجددا الذي اتبعه الرئيس الثالث عشر للجمهورية اللبنانية في محاولة اخضاع رئيس حكومة مكلف لدفتر الاستسلام له او حمله على الاعتذار والتنحي فان الانكشاف الحقيقي في هذه السقطة السياسية والمعنوية يتمثل في ارتدادها على موقع رئاسة الجمهورية المنهكة بالاستنزاف المفرط من الدائرة اللصيقة بالعهد الحالي في أنماط انقلابية فاشلة في بلوغ أهدافها الا في زيادة أزمات البلاد .

حين نجحت الجبهة الاشتراكية الوطنية متقدمة حركة الإضرابات والاضطرابات والضغوط في اسقاط عهد الرئيس التاريخي الاستقلالي بشارة الخوري عام 1952 كانت تبخرت صورة الإنجازات التاريخية التي حققها ولم يبق سوى صورة الحاشية لشقيقه “السلطان سليم” . واذا صحت مقاربة الازمة الهائلة التي يواجهها لبنان الان بتلك الظروف من هذا الجانب فان الأخطر أيضا ان يكون الرئيس عون فتح على نفسه مقاربة أخرى باتساع المطالبة بتنحيه المبكر داخليا وربما خارجيا الى حدود لم يتحسب لها حتما .

المقاربة الأخرى هذه تتصل بالسؤال الكبير الذي يتردد صداه في كل الاتجاهات عما اذا كان العهد وفريقه احتسب بدقة وباستشراف بارد ماذا يمكن ان يكون عليه رد سعد الحريري على محاولة الانقلاب الناجز على تكليفه ، وماذا يمكن ان ينجم عن أسوأ هجوم سياسي يتجاوز الأطر الدستورية بهذا الشكل ؟ والاهم هل جرى في بعبدا احتساب المعطيات الداخلية والخارجية التي جعلت سعد الحريري الرئيس المكلف هذه المرة يتموضع في موقف صلب “مستجد” لا هوادة فيه ولم يعد يشبه سعد الحريري “التسووي” السابق الذي كان الشريك الحليف للرئيس ميشال عون حتى انفجار استقالة الحريري بعد الانتفاضة ؟ هذه المقاربة التي ستغدو اساسية في التعامل مع ما احدثه التفجير السياسي الطارئ على يد العهد ، تدفعنا على غرار الأسلوب الطبي الذي يقارن الفحوص الجديدة بالنتائج السابقة الى فائض التساؤلات من مثل : لماذا نتفاجأ ، فهل احتسبت بدقة وحكمة “حرب الإلغاء” الأصلية قبل تفجيرها …آنذاك ؟