على بعد أيّام للإعلان عن فوز الرئيس التَّشادي إدريس ديبي بولاية رئاسية سادسة، فوجئ بهجوم مسلّح من قبل معارضة من الشّمال تمكّنت في زمن قصير من اكتساح كثير من الأراضي التشادية، الأمر الذي حمل الرّئيس على قيادة الجيش والخروج بنفسه لدرء الهجوم، غير أن سقوطه قتيلاً في ساحة المعركة في ظروف غامضة، أثار جملة من الشكوك والتّساؤلات.

لا بدّ أن نذكر أن الرئيس ديبي كان حليفاً استراتيجيّاً لفرنسا والولايات المتّحدة ضد قوى الإسلام السياسي، ولتعزيز هذا الدّور في المنطقة استثمر الثروة النّفطية في إنشاء جيش قوي، كانت له القدرة على ردع مسلّحي التطرّف العنيف في مختلف مواقع السّاحل، ومنهم متطرّفو بوكوحرام وفلول القاعدة، في المقابل لم يعمل بتاتاً على أن تصبح تشاد دولة ديمقراطية، كما التزم بذلك منذ زمن استيلائه على الحكم سنة 1990.

وبالرغم من وجود معارضات مختلفة ضد النّظام السياسي التشادي كتلك التّي قادها الجنرالات المنشقون وانضم أعمامه إليها، أسفرت عن هجوم على العاصمة في 2006، ومحاصرة القصر الرئاسي سنة 2008، فإن الهجوم الأخير لجبهة التغيير والوفاق الذي قُتل فيه الرّئيس مختلف هذه المرّة، إذ تدخُل فيه اعتبارات سياسية خارجية نجملها فيما يلي:

لا بدّ من الذكر بأنّ أعضاء جبهة التغيير والوفاق هم شتات من المرتزقة التشاديين الذين كانوا يحاربون في جنوب طرابلس الليبية إلى جانب الميليشيات بقيادة «أسامة الجويلي» ضدّ القوت المسلّحة، وقد تمكّن هؤلاء المرتزقة من التوسّع في صحراء الجنوب الليبي وجعلوا من «مرزق» قاعدة انطلاق، ولم يكن توسّعهم في الصحراء الكبرى مستقلاً عن أجندات خارجية.

لمّا عاد هؤلاء المرتزقة من ليبيا بعد عملية السّلام المؤقّتة كانوا يحملون معهم أسلحة متطوّرة تمكّنوا بواسطتها من إلحاق أضرار بليغة بالقوات الحكومية وقتل كثير من الضباط وإصابة الرئيس، لكن ما يثير الاستغراب أن المعارضة الداخلية لم تصدر أيّ بيان يوضّح موقفها مما حدث، ولا أي خروج إعلامي للمعارض السياسي «يحي ديلو» الذي اشتبك مُوالوه مع الجيش في الأسابيع الماضية في العاصمة، والثّابت أنّ هجوم المعارضة الأخير ومقتل الرّئيس ديبي كان بتدبير إرادة خارجية وفق أجندة سياسية مختلفة، خاصة أنّ ما يثير الاستغراب هو الموقف السلبي لفرنسا التّي لم تكلّف نفسها عناء إيقاف زحف المعارضة، وهذا يتنافى مع مواقفها السّابقة الدّاعمة للرئيس ديبي وهي تصدّ المعارضة بقوّة عن دخول الأراضي التشادية سنة 2009.

يبقى السّؤال أخيراً، وبدون أيّ حِكم قيمية: من تكون تلك الجهة الخارجية التّي قضت بمقتل الرئيس ديبي؟ وما هي المعادلة التشادية الجديدة في محاربة التطرّف؟