أسقطنا منذ انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 البعد المتصل بذاك الربيع العربي الذي كان #سمير قصير رمزه ومفكره ومستشرفه والمحرض عليه لنعود الى ذاتية لبنانية حصرنا فيه ما أحببنا ان نرى سمير قصير حاضرا بقوة فيها من خلال امتداد “دوره” ولو شهيدا في تلك الثورة. حصل ذلك على خلفية المزج الطبيعي بين انتفاضة 14 آذار 2005 التي قلنا مرارا وتكرارا ونكرر الآن القول ان سمير قصير كان من ابرز مهندسي اتجاهاتها الفكرية بعد تفجرها ميدانيا، وبين انتفاضة 17 تشرين على رغم الفوارق في ظروف الحدثين الكبيرين وظروف وطبيعة كل منهما. ذلك ان حضور فكر سمير قصير ومقالاته واتجاهاته الثقافية في الانتفاضتين كان بمثابة الشهادة الأمثل التي قدمها الزمن على عمق ما تركه من ارث ثوري حقيقي محرك للاتجاهات نحو التغيير البنيوي في اتجاهات الناس.
نقول الآن، اليوم، في ال#ذكرى الـ 16 لاستشهاد سمير قصير انه اثبت كم كان عصيا على التغييب والغياب والإقصاء لمن أرادوا سحق ذكراه بل استعجلوا ادراجه في أولويات قائمة الموت مباشرة بعد الرئيس رفيق الحريري في سلم اهداف حرب الاغتيالات. والدليل ان مفهوم التغيير العميق وحده في ما نادى به وفي ما هندسه فكرا وثقافة للثورة الاستقلالية لا يزال يشكل التحدي الأكبر بل ازمة الازمات الراهنة امام الجيل المنتفض او الثائر او المؤمن بان لبنان الذي تقدم بعقود وأشواط العالم العربي برمته في حرياته ونظامه وخصائصه صار الآن في المرتبة المتدنية المستحيلة التصديق.
حتى على مستوى اليوميات السياسية “والوطنية” اذا صح الكلام عن بقاء شيء من المفهوم الوطني، ترانا نشعر بقوة الافتقاد اكثر فاكثر لسمير قصير في مسارعته الى ان يكون حتى ناقد نفسه غداة اشتعال ثورة الأرز حين شرع يكتب مقالاته الأولى في انتقاد الانتفاضة بعد أسابيع قليلة من 14 آذار. لم تفسح آلة القتل امامه طبعا في الاستفاضة بمنهج نقدي كان ارتسم في فكره بعد الموجات الأولى من الانتفاضة،ولكن مفهوم تصحيح الثورة والانتفاضة كان بدأ يشكل لديه هاجسا أساسيا لانه أيقن كمؤرخ ومفكر نقاط الضعف والوهن التاريخية التي غالبا ما شكلت مكامن الخطر الأساسية والأولى في كل الثورات الكبرى. لذا ترانا الان، نحاول تعويض الخسائر الذي لا تعوض في رموز الثورات والانتفاضات والشهادات المعمدة بالدماء، بالتمسك اكثر فاكثر، وسنة اثر سنة، بسمير قصير وسواه من قامات الشهادات التي أضاءت زمنا مشرفا في تاريخنا على قناعة لن تزول بان هذا المفكر لا يزال هنا في كل ما يعتمل من حاضر لبنان تماما كما كان يوم صرعه الاجرام الأسود وهو في عز بريقه وقتاله ومقاومته.
ولن نخفي في مناسبة الذكرى السنوية لسمير قصير، فائض “احتقارنا” لأسوأ المعزوفات الهابطة التي يرددها طاقم سياسي هو أسوأ ما شهده لبنان بعد حرب الاغتيالات واسقاط النخب، من ان باب التغيير الوحيد المتاح عبر الانتخابات لن يبدل شيئا في واقع الدراما اللبنانية الحالية. تحمل هذه العجرفة كل الاحتقار الممكن لارادة الناس في التحرر، وتثير الذعر من ان تصح نبؤات هؤلاء الساقطين والفاسدين والتبعيين المتحكمين برقاب اللبنانيين. هذا الردح الخبيث وحده يكفي لتحويل التحريض على التغيير عبر الصناديق رأس حربة الثورة الآتية.
التعليقات