قمة القطبين انتهت في أقل من ساعتين، وقبل هذا التوقيت، كنا ظننا بأن حرباً عالمية ثالثة قد تشتعل بين الجانبين في أي لحظة. وهذه الظنون أججتها تصريحات غير معتادة بين أميركا وروسيا، عقوبات متواليات، وطرد سفراء ودبلوماسيين، واستخدام مصطلحات غير لائقة في العرف الدبلوماسي بين البلدين.
استدعى كل هذا الزخم في الشحن قمة بين القادة للحيلولة دون وقوع ما هو أسوأ، لأن الأمر لا يخص القوتين العظميين، بل العالم أجمع. المتابع للشأن الدولي قد يعتقد بأن «كوفيد 19» سيكون سيد الموقف، خاصة وأن روسيا ضُمت إلى القائمة الحمراء عن الدول الأكثر انتشاراً للوباء فيها.
كما يأتي موضوع أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، كقضية عمرها في هذا النزاع أكثر من عقدين ماضيين، عندما أشار «كيسينجر» على الحكومة الأميركية بأن كسب «الدب الروسي» آنذاك أولى من الوقوف مع استقلال أو انفصال أوكرانيا عن جسد الاتحاد السوفييتي، بأنها سمكة صغيرة قد تشبع جوعة الدب الروسي ولو إلى حين.
ومع استمرار الأزمة الأوكرانية - الروسية، إلا أنها لم نسمع لها صدى في هذه القمة المهمة.
كذلك ملف القرصنة الإلكترونية لقلب صناديق الانتخابات لصالح ترامب، وقد أخذت من مساحة النشر الإعلامي لأكثر من أربع سنوات ولا زالت سارية المفعول بمجريات السياسة في عهد بايدن.
رغم تقديم روسيا تقريراً واضحاً ومفصلاً بهذا الخصوص، إلا أنه إلى ساعة انعقاد القمة لم تتلق رداً على ذلك.
هناك دائماً ثلاث شماعات تعلق في رقاب بعض الدول التي تسلط الضوء عليها الولايات المتحدة، وهي الديمقراطية والمعارضات أفراداً وأحزاباً وحقوق الإنسان، وتلوح بها كلما تعارضت مع مصالحها.
روسيا في سوريا والعراق وليبيا وغيرها من مناطق نفوذها في الشرق الأوسط، لم يعرج عليها في هذه القمة، إضافة إلى الشراكة الدولية في محاربة الإرهاب والتطرف، أو أنها سقطت سهواً من جدول الأعمال، ونشك في وجود جدول أعمال علني، وإن كانت الكواليس دائماً ثرية بدهاليز السياسة.
تُرى، أين كان يختبئ التنين الصيني في مقابل تواجد الدب الروسي، أم أن مسرح القمة لم يسع لتواجد هذين الحليفين في مكان واحد؟!
تريد أميركا أن تبني خطاً فاصلاً بين روسيا والصين التي أزاحت اليابان عن طريقها اقتصادياً، وتريد أن تفعل ذلك بأميركا في العام 2030 إذا ما نجحت في خطتها. فهل يمكن أن تحل الصين مكان روسيا في الحرب الباردة، وتنتقل موسكو إلى مرحلة الحرب «المتجمدة» مع واشنطن؟
عودة الدبلوماسية بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا بعودة السفراء إلى مواقعهم سالمين، ولكن قد يكونون غير غانمين، ثم تمديد اتفاقية الحد من التسلح إلى عام 2023، واعتراف بايدن بأن إطلاق وصف القاتل على بوتين كان زلة لسان، رغم أن بوتين لم يبالِ بهذا الوصف، ورد بأنه قد اعتاد على سماعه مرات كثيرة.
هذه المخرجات لم تكن بحاجة إلى قمة لإقرارها، فالبيروقراطيات في كلتا الدولتين كانت كفيلة بإنجازها، دون أي تدخل من القادة بصورة مباشرة، ومع ذلك قبل أن ينفض السامري من حول القمة حتى جاء بلبل بوتين بهذا الخبر اليقين. فها هو أناتولي أنطونوف، السفير الروسي لدى واشنطن، يقول لوكالة «سبوتنيك»، إن العقوبات ليست السبيل لتحقيق الاستقرار في العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة. يأتي ذلك بعد تصريح جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي، بأن حزمة جديدة من العقوبات قيد الإعداد على خلفية قضية اعتقال المعارض الروسي أليكسي نافالني.
التعليقات