تَنتَشر بَيننَا عِبَارات لَا تَليق بمُجتمع يُحبّ أَنْ يُطوِّر أَفرَاده، إلَى مَا هو خَير، وإلَى مَا هو أَفْضَل، ومِن هَذه العِبَارَات جُملة «مَدْح الرَّجُل في وَجهه مَذمَّة»، لأنَّ مِثل هَذه العِبَارة -باختِصَار- تَعني أنَّك لَن تَمدَح أَحداً في حضُوره مَدَى الحيَاة، وهَذا يَدلُّ عَلى أَنَّ النَّفس البَشريّة -بشَكلٍ عَام-، والنَّفس العَربيّة -بشَكلٍ خَاص- فِيهَا مِن الخُبث واللُّؤم الشَّيء الكَثير..!
إنَّ الإنسَان مَتَى كَان صَادِقاً في ثَنَائِهِ، فيَجب أَنْ يَبوح بِهِ لصَاحبه، خَاصَّة ونَحنُ نَفتَخر بتَوجيه النَّقد للإنسَان فِي وَجهه، مُتبَاهين بذَلك، قَائلين: «أنَا مَا عِندي لعب، أَقول للأعوَر يَا أَعور في وَجهه».. فطَالما نَحنُ كُرمَاء في النَّقد، فلمَاذا نَعتبر المَدح في الوَجه مَذمَّة..؟! تَقول الكُتب: إنَّ الخَليفة «عمر بن عبدالعزيز» عِندَما تَولَّى الخِلَافة؛ تَهَافت الشُّعرَاء عَلى قَصره كي يَمدحوه، ثُمَّ اعتَذر عَن استقبَالهم جَميعاً، واستثنَى مِن بَين الشُّعرَاء «جرير»، وحِين دَخل عَليه «جرير»؛ لَم يَقُل لَه «عمر بن عبد العزيز»: «لَا تَمدح»، وإنَّما قَال لَه: «اتّقِ الله ولَا تَقُل إلَّا حَقًّا»..
مِن هَذه القصَّة نَفهم أَنَّ مَدْح الرَّجُل في وَجهه لَيس عَيباً، وإنَّما العَيب في النِّفَاق والتَّزلُّف والتَّملُّق، وأَنْ تَقول فِي المَمدوح مَا لَيس أَهلاً لَه..!
إنَّ الإنسَانَ -بطَبيعتهِ- يُحبّ المَدْح -كَما ذَكرنَا أَعلَاه- وفي ذَلك يَقول الشَّاعِر:
يَهْوَى الثَّنَاءَ مُبَرّزٌ ومُقَصِّرُ
حُبُّ الثَّنَاءِ طَبِيعَةُ الإِنْسَانِ
لذَلك طَالَمَا أَنَّ حُبّ الثَّنَاء مِن طَبيعة الإنسَان، فلِمَاذَا نَحرمه مِنه، لِمَاذَا لَا نُعطيه الثَّنَاء الذي يَستحقه، ونَقول مَا نَعرفه مِن الصِّفَات الجيّدة عَنه، خَاصَّة وأَنَّ كُلّ إنسَان -مَهما كَان رَديئاً- يَحمل جَوانب إيجَابيّة في بَعض شَخصيّته..؟! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي أَنْ أَهمس في آذَانكم وأَقول: لَيتكم تُعدِّلون عِبَارة: «مَدْح الرَّجُل فِي وَجهه مَذمَّة»، لتُصبح: «مَدْح الرَّجُل في وَجهه مَذمَّة؛ إذَا لَم يَكن أَهلاً لهَذا المَديح»..!!
التعليقات