ليس هناك دولة اسمها حزب الله، ولكن هناك وطن اسمه لبنان محتل من حزب إرهابي بممارساته السياسية والعسكرية المسجلة تحت اسم لبنان، الذي اتخذه نصر الله مستودعاً لأسلحة الحزب ومتفجراته وعملياته الإرهابية..

لبنان حالة سياسية فرضتها تحولات المنطقة العربية عقب الثورة الإيرانية بشكل أكبر، فلبنان يعتبر المربع الأكثر هشاشة عربياً من حيث التركيبة السياسية عبر تاريخه الحديث، وهذا ما سمح بنشوء حزب الله في منطقة حساسة على الحدود بين لبنان وإسرائيل، حيث مارس حزب الله حالة استقطاب طائفي وقومي عبر إيران وبمساعدة بعض الدول العربية الميالة إليها، وبشكل تدريجي تم تعزيز القوة في حزب الله من قبل إيران بالدرجة الأولى مع استثمار مباشر لحالة الضعف السياسي اللبناني، التي أنهكتها الحرب الأهلية وجعلتها أرضاً قابلة لنمو الميليشيات والحركات والتنظيمات.

الصورة اللبنانية اليوم تعكس فسيفساء سياسية فاشلة بوجود حزب الله، الذي طور من آليات وجوده في لبنان بصور مختلفة خلال الأربعة عقود الماضية، فأصبح حالة سياسية معيقة لكل الأهداف الإيجابية التي عرضت على لبنان، ولن نحتاج إلى شرح مفصل عن المشروعات السياسية التي جلبت إلى لبنان سواء من جيرانه العرب أو الخليجيين أو حلفائه الدوليين، حتى أبناء لبنان أنفسهم أصبحوا مصابين بحالة من الاكتئاب السياسي (اكتئاب حسن نصر الله) ومتلازمة (حزب الله وكوارث لبنان)، فعندما تتحدث مع أي لبناني سواء من السياسيين أم عامة الشعب تدرك أن هذا البلد يعيش حالة انتهاك عميقة لهويته، وحالة انتهاك لاستقراره الذي أصبح يعاني من الاحتكار السياسي.

لولا التاريخ اللبناني المميز لما استطاع أن يبقى إلى اليوم، وقد وصل الأمر إلى أن يزول لبنان ولا يبقى منه سوى اسمه على الأعلام ولافتات المؤسسات الحكومية، فللمرة الأولى وبفعل ميليشيات حزب الله نحن أمام نموذج دولة لا توجد سوى على الورق، من يستطيع اليوم الحديث عن لبنان الدولة والسياسية والثقافة والمجتمع والشعب؟ لبنان لم يعد موجوداً سوى في سجلات الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، فعندما يتبادل حزب الله النار مع إسرائيل ومن الأراضي اللبنانية يتم تعريف تلك الحرب بأنها بين حزب الله وإسرائيل، بينما الأرض لبنانية، فعندما انسحبت إسرائيل من لبنان سنة 2000م، لم تنسق إسرائيل مع لبنان بل كان التنسيق مع الأمم المتحدة لتفصل بين إسرائيل ولبنان الغائبة.

لقد نبت حزب الله على شجرة الأرز اللبنانية بطريقة معقدة، فحزب الله ومن خلفه من الدول والمنظمات يدركون بشكل عميق أنه لا يوجد تناظر سياسي بين إسرائيل وحزب الله، ولذلك فإن حزب الله لا يتحمل تبعات أعماله مع إسرائيل، ولكنها تجير سياسياً للدولة اللبنانية، وفي العام 2000م استغل حزب الله الانسحاب السريع للجيش الإسرائيلي، وبداية ظهور فراغ جغرافي في جنوب لبنان تم تعزيزه برؤية تدعم فكرة هزيمة إسرائيل، لذلك انسحبت ولم تستطع مواجهة المقاومة التي يتبناها حزب الله، وبذلك استطاع حزب الله أن يحتل تلك المساحة الجغرافية في جنوب لبنان ليحولها منبراً سياسياً يضغط من خلاله في اتجاهين، أولاً: مزاحمة المؤسسات السياسية اللبنانية، وفرض وجود حزب الله بالقوة بينها، والثاني: تعزيز نظرية المقاومة لتفسير كل الأعمال التي يقوم بها حزب الله، الذي أصبح يحصل على مساعدات مباشرة من إيران وبعض الدول العربية،

ودائماً ما تعكس المواجهة بين إسرائيل وحزب الله هذه الفرضية السياسية، حيث يدفع الشعب اللبناني الثمن، وتدفع الحكومة اللبنانية الأثمان مضاعفة، وفي الوقت ذاته لا تملك الحكومة اللبنانية القدرة على التصحيح، ليس هناك دولة اسمها حزب الله، ولكن هناك وطن اسمه لبنان محتل من حزب إرهابي بممارساته السياسية والعسكرية المسجلة تحت اسم لبنان، الذي اتخذه نصر الله مستودعاً لأسلحة الحزب ومتفجراته وعملياته الإرهابية، وفي المقابل تفضّل إسرائيل هذا الوضع العسكري والسياسي لحزب الله، ولا يمكن المراهنة على أن إسرائيل ترغب في أي تغيير جوهري للوضع القائم، فوجود حزب الله في الجنوب اللبناني يشكل عملية مهمة لإسرائيل الراغبة في بقائها في حالة مواجهة تحقيقاً وتدريباً لقواتها.

الدروس العربية من الحالة اللبنانية أفضت إلى حقيقة مهمة تؤكد أن وجود حزب الله في لبنان إنما هو عقبة أمام كل الحلول، فليس من المقبول أن تتولى منظمة إرهابية التحكم في مصير دولة بأكملها بينما ليس لها أي صفة شرعية في الدولة اللبنانية، بل ومدعومة من قوى أجنبية، وتنفذ أجندة عسكرية تخدم أهدافاً طائفية وأيديولوجية خطيرة على المنطقة، نظرياً ليس هناك من حلول قريبة سوى أن تطلق الرصاصة الأخيرة على لبنان من حزب الله، وتحويل لبنان إلى مسرح للحروب، أما الخيار الآخر، وهو ما ننتظره جميعاً، أن يصحو الشعب اللبناني ويطلق رصاصة لبنان على حزب الله، ويرفض وجوده وتمثيله لدولتهم.