يقول جبرييل جارسيا، "لو كان بيدي أن أمحو لمحوت أعواما من الطيبة الزائدة عن الحد، والسذاجة التي تصل إلى الاعتقاد أن كل الناس أنقياء".
قفزت هذه المقولة مباشرة إلى عقلي وأنا أقرأ رسالة امرأة متزوجة وصلتني عبر البريد الإلكتروني، تحكي فيها عن لطفها الزائد مع صديقتها التي كانت تمر بظروف نفسية صعبة بسبب مشكلاتها مع طليقها وتخلي أهلها عنها، ما دفع هذه الزوجة إلى التعاطف معها بشكل زائد عن الحد إلى تلك الدرجة التي أهملت فيها واجباتها المنزلية والزوجية، بحجة أن صديقتها تمر بظروف صعبة وتحتاج إلى دعمها ومساندتها. بعد مرور سبعة أشهر اكتشفت أن صديقة عمرها تزوجت من زوجها "مسيار" وحين واجهتها قالت لها بكل برود، "لا تلوميني زوجك كان يحتاج إلى زوجة تهتم فيه وأنت كنت مهملته".
كل المشاعر المتطرفة في الحياة هي بمنزلة حبل مشنقة يلتف حول روح صاحبها، سواء كانت مشاعر سيئة كالكراهية والحقد والظلم وغيرها، أو مشاعر طيبة كاللطف والحب والعطاء وغيرها. هناك شعرة دقيقة بين اللطف والسذاجة وبين الطيبة والغباء وبين العطاء والاستغلال وهكذا. إشكالية البعض أنه يندفع في مشاعر اللطف الزائد إلى تلك الدرجة التي يعطي فوق طاقته للآخرين ويعيش تفاصيل مشكلاتهم وهمومهم أكثر مما يفعلون هم، ويضغط على نفسه وأسرته ويتجاهل واجباته نحوهم ليسعد الآخرين بأمور ليست واجبة عليه لا شرعا ولا عرفا، ويجاملهم بشكل مؤلم ولو لم يرغب في ذلك حتى يسعدهم، ويهدر أوقاته ليوفر لهم ما يطلبونه ثم يكتشف في النهاية أنهم "يجحدونه" وينكرون فضله عند أول موقف، وينسفون جمائله كأنها لم تكن ويتناسون لطفه الزائد في لحظة واحدة، ثم يتجاهلونه ويرحلون كأنه لم يكن في حياتهم. الإشكالية ليست في رحيلهم ولا في نكرانهم بل في ردة فعل الشخص اللطيف "بزيادة" تجاه ما حدث، فغالبا مثل هذه الصدمات ستصنع منه شخصا قاسي القلب متجمد المشاعر لا يعبأ بمن حوله فيما بعد، وربما عشق العزلة والبقاء وحيدا لعدم ثقته بالآخرين، مثل ردة الفعل هذه لا أريدك أن تصل إليها عزيزي القارئ إن كنت لطيفا "بزيادة"، فخالق النفس البشرية لم يكلفنا فوق استطاعتنا في العبادات المفروضة "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، بل أباح لنا رخصه في حال المطر والخوف والمرض وغيره، فكيف يقوم الشخص اللطيف "بزيادة" بعكس هذه الطبيعة البشرية وتحميل نفسه ما لا تطيق.
وخزة :
كن لطيفا ولكن لا "تزودها حبتين"!