اتصل روعي كايس، مراسل" قناة كان" الإسرائيلية، بالمتحدث باسم حركة "طالبان" سهيل شاهين الموجود في قطر مباشرة، وهو غير "ذبيح الله مجاهد" الذي ظهر كاملاً ومسالماً ولا يشبه نفسه في مؤتمر صحافي في كابول أول من أمس. يقول كايس: سألني شاهين مع أي تلفزيون تعمل، قلت "كان نيوز". كان هذا كافياً لتحصل القناة الإسرائيلية على مقابلة حصرية على الهاتف مع متحدث باسم حركة "طالبان".

ستنشر قناة "الجزيرة" القطرية بعد ظهور المقابلة وتداولها في وسائل الإعلام، نوعاً من التبرير على لسان شاهين الذي نفى علمه بهوية الصحافي ومحطته، ولكنه تبرير سيبقى باهتاً وفيه الكثير من السذاجة والتذاكي، بخاصة لو تتبّعنا نمط الأسئلة المطروحة من جهة، والإجابات المدروسة الحذرة التي اتّسمت بالعمومية من جهة أخرى.

سأل كايس عن تهنئة "حماس" لـ"طالبان" بانتصارها، وعلاقة "طالبان" بالحركة الإسلامية الفلسطينية التي تحكم قطاع غزة، إذ كما جرت عادة رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إسماعيل هنية، القائمة على ملاحقة المناسبات وتزجية التهاني والتبريكات والتعازي، وإهداء "انتصار سيف القدس" للمارة والمحتفلين، اتّصل بقادة "طالبان" وهنأهم بانتصارهم على "الاحتلال".

شاهين بدا متنبهاً تماماً لسؤال القناة العبرية، إذ نفى أي علاقة مع "حماس": "إن هنأتنا حماس فهذا جيد، ولكن ليس لدينا تعاون مع حماس في أي منطقة. نشكر من هنأنا". لم يسترسل كعادة ممثلي الإسلام السياسي حول المظلومية الفلسطينية، ليس في الاجابة المقتضبة "مسجد أقصى"، أو بلاد مقدسة تحت الاحتلال أو "أخوة جهاد"، "نشكر من هنأنا"، هذا كل شيء، مزيج من الحذر والمجاملة تجاهلت اندفاع "هنية" غير المدروس.

السؤال الذي انبنت حوله المقابلة كان حول مصير الأقليات تحت حكم "طالبان"، المقصود الإثنيات والديانات والطوائف التي تزدحم بها هذه البلاد، يعترف الدستور الأفغاني بـ14 مجموعة عرقية في أفغانستان، يشكل البشتون وهم الأفغان نحو 45% والطاجيك 35%، إضافة الى الهزارة والأوزبك والتركمان، بحسب إحصائيات غير دقيقة، يتوزعون بين الغالبية السنية والشيعة، إضافة الى أقليات من السيخ والهندوس، يتحدثون لغات عدة، بحسب إحصائية تعود لعام 1985، أهمها الفارسية ولغة قبائل البشتون والأوزبكية والتركمانية. ستختفي هذه الفيسفاء من القوميات والمذاهب واللغات تماماً، ولكن سؤال المقابلة سيكون حول مصير "اليهودي الأخير" في كابول زوبلون سيمانتوف المولود في هرات قبل 61 عاماً. سيمانتوف كان قد أعلن قبل أسابيع أنه سيغادر كابول الى إسرائيل، بعد موسم الأعياد اليهودية في الخريف، "خوفاً من أن يؤدي انسحاب الجيش الأميركي الى فراغ ستملأه "طالبان" والجماعات المتطرفة (...) سوف أشاهد التلفاز في إسرائيل لمعرفة ما يحدث في أفغانستان"، قال سيمانتوف لصحيفة "عرب نيوز" الناطقة بالإنكليزية الأحد الماضي، ولكن يبدو أن تسارع الأمور ودخول "طالبان" المبكر الى كابول سبق توقعات راعي الكنيس الوحيد في أفغانستان، اليهودي الأخير في كابول، والذي سيغلق خلفه، في حال مغادرته، حقبة من الوجود اليهودي في أفغانستان تركزت عبر مئات عدة في هرات مسقط رأسه، هاجروا جميعاً باستثناء تاجر السجاد والمجوهرات زوبولون سيمانتوف الذي بقي ليرعى كنيس كابول.

هذا سؤال إسرائيلي بامتياز، حيث يزج الإعلام اسماً يهودياً في الحدث الكبير، ليتحول الى حدث بدوره، بينما صور الأفغان الذين يتدفقون على مطار العاصمة وأولئك الذين تعلقوا بمحركات وأجنحة الناقلات العسكرية الأميركية، أو المجاميع التي تكدست على أرضية طائرة "الهيركوليز" العملاقة، تظاهرة النساء الشجاعة في كابول على مرأى من مسلحي "طالبان" والتظاهرات في جلال أباد التي وضعت علم البلاد بدل راية "طالبان"، كابوس القمع الذي يحيط بكل شيء، النساء على وجه الخصوص، الخوف الذي يتوارى خلف المسلحين الملتحين الذين يحدّقون في البيوت والمارة وملابس النساء، كل هذا سوف يغرق في العتمة بينما يتسلط الضوء على "اليهودي الأخير" في أفغانستان.

رواية إسرائيلية نموذجية وصلت في الوقت المناسب، البحث عن نموذج ثم تكثيره وعزله عن المجاميع، وسيتم البناء عليه وتحويل الأمر الى حصة إسرائيلية في أفغانستان، وستجد القصة مكاناً الى جانب الأزمة المثارة مع بولندا حول قانون "الملكية" الذي وقّع عليه الرئيس البولندي أخيراً، والذي ينص على تنظيم العلاقات القانونية بشأن الممتلكات التي خلّفتها الحرب العالمية الثانية، بهدف منع استعادة الأملاك قبل تلك الفترة، ومن بينها الأملاك اليهودية، كذلك التوقف عن منح تعويضات للناجين من "الهولوكوست." القانون البولندي يمنح المحاكم المدنية الحق في النظر في المطالبات بالأملاك، على عكس "قانون حارس أملاك الغائبين" في إسرائيل الذي لا يحرس ويحرم الفلسطينيين من أملاكهم قبل "النكبة".

في بولندا احتجت الجالية اليهودية ومؤسساتها على سلوك الحكومة الإسرائيلية، واتهمت وزير الخارجية بافتعال أزمة ستضر بالجالية واليهود وتسمح بانتعاش التيارات المعادية للسامية.

في كابول وفي آخر تصريح لسيمانتوف، حسب صحيفة "جيروسالم بوست" أول من أمس، أعلن أنه سيبقى في المدينة، في إشارة الى ثقته بوعود ذبيح الله مجاهد وسهيل شاهين، فقد تحوّل بعد الحوار مع "قناة كان" الى طائفة، لم يعد مجرد تاجر سجاد ومجوهرات يرعى كنيساً يهودياً، لقد تحوّل الى "أقلية" وعد سهيل شاهين باحترام حقوقها.