يخشى كثيرون من تقدم العمر نتيجة فزع موهوم بشلل الحياة بعد حيوية.. فزع ذاتي من بداية الشيخوخة المبكرة أو المبشرة بالخطوط على الوجه وتجاعيده الجديدة، وهو شيوع لظنون بشرية سائدة اجتماعياً.

نساءٌ ورجال تلازمهم حسرات ولوعة سنين العمر مع كل ذكرى للميلاد.. فناس يتأوهون على العمر بعدد السنين، وليس بالأفراح والابتسامات والذكريات وحتى الأنين والأوجاع منها.

شعور عفوي من النكران يتعملق في وجدان الإنسان وربما يكسر البعض من دون أن يدرك الواقع البشري، فتقدم العمر بات هاجساً مقلقاً عند الكثيرين، وهو ربما ما يحفز على عمليات التجميل حتى في سن مبكرة!

ثمة أفراد باتت تتملكهم النزعات المبكرة نحو ترميم الجسد والوجه وتغيير الملامح لأسباب نفسية واجتماعية وشكلية، خوفاً من مواجهة المصير الزمني المحتوم!

يا ترى لو امرؤ القيس كان بيننا اليوم؛ هل سيعارض قصيدته الرائعة؟!

حجازيةُ العينين مكيةُ الحشا... عراقيةُ الأطراف روميةُ الكفل

تهاميةُ الأبدان عبسيةُ اللمى... خزاعيةُ الأسنان دريةُ القُبل

ثمة جراحات مبررة طبياً، ولكن ليس هناك مبرر منطقي لمعالجة تجاعيد الزمن، وهي ما أجملها كتطور بشري طبيعي وحتمي، لا يبرره الخجل الاجتماعي.

لاشك أن ثمة أسباباً سيكولوجية واجتماعية تتمثل في فقدان التوازن وعدم الثقة بالنفس، مما يقود إلى الفزع من عقارب الزمن وتجاعيده، نتيجة مجاراة لنكران ذاتي لعلاقة سببية.

لا يستطيع الإنسان فك الارتباط مع الزمن ووقف عجلة السنين، لكنه يملك القوة في التمتع بالذكريات الجميلة والحب الذي يجمعه بالحياة، فالحياة ممتلئة بالعثرات والعذابات والابتسامات في الوقت نفسه.

عاد مولدي يوم أمس 5 سبتمبر كأحد أعضاء برج العذراء، وتجددت الذكرى بأن العمر ليس سوى أرقام.. بينما جمال الحياة يزدان في الوجدان وفي الحب والفرح، الذي دشنته الحفيدة تالية قبل أكثر من عام، فهي ميلادي الجديد.

مضى من العمر الكثير من السنين، والشعر الفضي يعطر تجاعيد الزمن بلا مدى.. أفرح بكل شيء ويخفق القلب بابتسامات الرُشد.. قناعات لا تعرف الكذب.. أنحني ابتهاجاً بتجاعيد الملامح والزمن.

أحتفي بميلادي.. روحاً تتقبل الفناء ولا تبحث عن الخلود.. قلباً يخفق بتوقد النبضات البريئة.. يلمح الحب برعشة الجفون.. يعشق الوتر الجنون.. يشرق ربيع العمر من جديد حتى لو ابتلعت الحياة سنين خاطفة.. إنها الحياة.. إنها المعادلة الصعبة الجميلة.

أكتب عن الإنسان الذي تستهويه الحقيقة ولا يقلقه تجاوزها، فالحقيقة لا تترمل مع الشكل الخارجي والمال ولا بعدد سنوات العمر.. تظل حقيقة العمر جميلة حتى في الزمان العليل.

أحتفي بتجاعيد الزمن.. أحتفي بالجروح ولا أفزع منها حتى لا أقع أسيراً للوهم وفوضى الحياة الصاخبة، والتشرد في المشاعر ولا الهروب من الواقع حتى لو حمل الصدمات والآهات، فالهروب من النفس ليس سبيلاً نحو الابتعاد عن حشرجات العمر.

يقول الشاعر أحمد الصافي النجفي:

ســنّــي بــروحـي لا بـِعَـدّ سـنـيـني

فــلأَسْـخَـرنّ غـداً مِـن التـسـعـيـنِِ

العمرُ للتسعين يركضُ مُسْرِعاً

والروحُ واقفةٌ عـلى العشرينِ

ويقول أبوالعلاء المعري:

كُلٌّ عَلى مَكروهِهِ مُسبَلُ

وَحازِمُ الأَقوامِ لا يُنسِلُ

فَسلٌ أَبو عالَمِنا آدَمٌ

وَنَحنُ مِن والِدِنا أَفسَلُ*

* الفسلُ: الرديء، الأحمق، الغبي