تحدث منذ أسبوعين رئيس مجلس إدارة الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز، فيصل الخميسي، في لقاء معه على بودكاست ثمانية، عن أهمية وجود مبرمجين سعوديين في المملكة للنهوض بقطاع تقنية المعلومات عامة، والشركات الناشئة خاصة، ولهذا الحديث أهمية خاصة كونه الأول من نوعه الذي يطرح قضية البرمجة للتداول أمام الرأي العام، ومثل هذا الحديث وغيره مؤشر لاتجاه المملكة في نهضتها الرقمية التي تشهد بها المؤشرات الواحدة تلو الأخرى، لكن هل يكفي أن ننهض فقط، أم علينا أن نتخطى المقدمة إلى ما بعدها، إلى حيث لم يصل أحد بعد؟.

ليس في نيتي أن أدجج هذه المقالة بكلام الحماسة الضروري، إنما ما نحتاجه هو أن نفتح نافذة صغيرة على ساحة الاحتمالات، في حديث لإبراهيم البليهي الكاتب والمفكر المعروف، ذكر أن العالم العربي إجمالا في حالة أسوأ من التخلف، فالمتخلف يسير مع الركب إنما يتأخر عن اللحاق بهم، إنما العالم العربي - كما يراه - متقهقر، فهو لم يتحرك بعد، بل إنه في حالات أخرى يجر العالم إلى الوراء، في المقابل يوجد من هم في المقدمة يسيرون في الصفوف الأولى، يتبادلون مراكز المقدمة ويبحثون عن فرص القفز عند كل منعرج، وكما أن هناك من يجرون العالم إلى الوراء - كما يقول البليهي - فهناك من يدفع بالعالم إلى الأمام، فاتحا طرقا لم تكتشف من قبل، ولا شك لدي أننا في المملكة نسير مع ركب المقدمة، لأننا أدركنا موقعنا من العالم مبكرا ولدينا الوعي والإرادة بضرورة التقدم لأنه الخيار الوحيد أمامنا.

إن كان الوصول إلى المقدمة ممكنا، وهو حاصل على مستويات مختلفة، فلا بد أن نبحث عن فرص القفز لما بعد المقدمة، وكما أن الوعي بالسباق ضروري للتقدم فيه، فإن الوعي بالقفز إلى ما بعد المقدمة ضروري كذلك. إنما بين مفهوم التقدم والتخطي فرق جوهري لا بد من أخذه بالاعتبار لا يجب أن نغفل عنه، ودونه لا يمكننا تحقيق التخطي أو التجاوز الذي نريد. الفرق أن فكرة التقدم تتطلب مقارنة مستمرة مع السائرين في الركب، وهذا ما نجده في دراسات المقارنة والمؤشرات المعيارية، في المقابل تأتي فكرة التخطي أو التجاوز لتبحث عما ليس في نطاق المعايير المتداولة بما قد يغير اتجاه السباق كله، بما فيها المعايير نفسها، لتعيد تشكيل مضمار السباق برمته.

من هذا المنظور، يتضح الفرق بين من يسعى إلى التقدم فيهتم بالبقاء في مضمار السباق لأن آلياته مصممة لذلك، وبين من يبحث عن وسيلة لتخطي المتسابقين مهما كان مكانه في السباق لأنه سيغير قواعد اللعبة كلها، ولا يمكن تحقيق هذا النوع من التجاوز إلا بالابتكار.. ولنا في ذلك حديث آخر.