يجد المجلس الرئاسي نفسه تحت الضغط الدولي وفي خلاف واضح مع الحكومة، ويبدو أنه لا يريد أن يكون في صف المعرقلين، لذلك لوّح باستخدام صلاحياته وإصدار مرسوم دستوري لتنظيم الانتخابات يتحدى به فشل ملتقى الحوار، ويضع الجميع أمام الأمر الواقع. وقد عبر عن ذلك رئيس المجلس محمد يونس المنفّي ونائبه موسى الكوني، وقد يكون ذلك المرسوم هو آخر الطب في مواجهة محاولة تأجيل الانتخابات إلى موعد غير محدد.

بقليل من المتابعة، يبدو واضحا أن ليبيا تعيش مرحلة انقسام حادّ لم تعرفه منذ تأسيس الدولة الحديثة في العام 1951، يلعب فيها الإسلام السياسي دورا هاما. لم يكن من العبث أن منع الملك إدريس جماعة الإخوان من النشاط عام 1952 وأن معمر القذافي فعل نفس الشيء بعد 20 عاما. فالإسلاميون في ليبيا هم أساس كل أشكال البلاء، وبدا واضحا خلال السنوات الماضية أنهم يتسربلون في كل أشكال اللبوس الحزبية والعقائدية والمناطقية والاقتصادية وحتى القبلية، ويلعبون على جميع الحبال، ويستعملون جميع أدواتهم لتجنيد من يرونه صالحا لخدمة مشروعهم حتى ولو كان معاديا له، فالمهم ليس أن تكون صديقا لهم وإنما أن تكون عدوا لعدوهم.

استطاع الإخوان إقناع الكثير من السذّج بأنهم المدافعون الأصليون عن الدولة المدنية، حتى منظرو تنظيم القاعدة باتوا يرون أن الانتخابات قد تأتي إلى الحكم لممثلين للدولة المدنية الديمقراطية.

أهم دوافع الإخوان والدائرين في فلكهم لعرقلة الانتخابات، هو رفضهم ترشح قائد الجيش المشير خليفة حفتر الذي لا يستثنيه قانون انتخاب الرئيس الصادر عن البرلمان من هذا الحق. وكذلك معارضتهم لترشح سيف الإسلام القذافي أو من يمثله. هم لا يريدون رموزا في مواجهتهم، ولا يريدون أن ينافسهم أعداؤهم على الحكم، ولدى الإخوان ومن يوالونهم ميليشيات قادرة على إفشال الانتخابات، وفي أكثر من مناسبة حذروا من أن فوز حفتر أو نجل القذافي يعني العودة إلى الحرب والانقسام.

المجتمع الدولي يبدي إصرارا واضحا على تنظيم الانتخابات، والأميركيون لا يعارضون ترشح حفتر، والروس يؤكدون على ضرورة ترشح سيف الإسلام، والأوروبيون يريدون انتخابات بأي ثمن، والشعب الليبي المغلوب على أمره يريد لحظة يعبّر فيها عن إرادته الحرة. ولكن لا بد من الاعتراف بأن تلك الإرادة مختطفة في غرب البلاد، وهي خاضعة لدور إخواني شرس ولحضور تركي عنيد ولأمراء حرب لا يرغبون في أن تستعيد الدولة قوتها وسيادتها بما يحول دون استمرار نفوذهم المفروض بقوة السلاح.

هل ستنتظم الانتخابات في موعدها؟ مبدئيا كل المؤشرات لا تنبئ بخير، ولكن المجتمع الدولي قد يستقوي على الجميع بشرعيته معتمدا على أدواته المتوفرة في الدفع نحو الاستحقاق في موعده، ولعل المفوضية الوطنية العليا المستقلة للانتخابات تراهن على هذا الموقف، وهي تدرك جيدا أن أقوى أقوياء المنطقة الغربية سيعودون إلى أسوأ حالات الضعف عندما يكون المجتمع الدولي جدّيا في مواجهتهم بالقانون وبآليات تنفيذه.