سقطت الإمبراطورية العربية - الإسلامية (الدولة العباسية) وتفككت أجزاؤها عندما خانها من داخلها العنصر التركي الذي تمكن من التغلغل داخل مؤسسة الخلافة العباسية وساهم مساهمة مباشرة في سقوطها -كدولة عربية أصيلة-، لتحل محلها دولة الأتراك (الدولة العثمانية). ومُنذُ تلك اللحظة التاريخية لسقوط الدولة العباسية من داخلها وقيام الدولة التركية - العثمانية وسيطرتها على ممتلكات وثروات الأمة العربية، تبنت فكرة صناعة الأدوات لتمكن المستعمر الجديد للوطن العربي -الدولة التركية العثمانية- من مواصلة سيطرتها واحتلالها واستعمارها للأراضي العربية الشاسعة، وعلى مدى ستة قرون من ذلك الاحتلال التركي العثماني للوطن العربي، قدمت أدوات الاستعمار التركي في الوطن العربي خدمات عظيمة لهذا المحتل ليستمر في احتلاله ويواصل استهداف وقتل وتعذيب الشرفاء من أبناء الأمة العربية الرافضين تماماً لوجود هذا المستعمر التركي البغيض، لقد أسس المستعمر التركي العثماني خلال احتلاله للوطن العربي ثقافة العمالة والخيانة والارتزاق بين أبناء الأمة العربية حتى أصبحت ثقافة لا يستنكرها البعض من العرب، ووسيلة سهلة للتكسب والغنى والثراء السريع من غير جهد أو معاناة، حتى وإن كان على حساب الوطن العزيز.

وبعد أن غاب المحتل التركي، وقامت الدولة الوطنية العربية، استمرت ثقافة العمالة والخيانة والارتزاق التي أسسها المستعمر التركي داخل الوطن العربي لتؤثر تأثيراً مُباشراً على أمن المواطن العربي واستقرار النظام السياسي في الدولة الوطنية العربية. نعم، لقد تسببت ثقافة العمالة والخيانة والارتزاق بأزمات سياسية عديدة داخل الدولة الوطنية العربية أدت لتخلف اقتصادي، وتوقف في العملية التنموية والتحديثية، وتصاعد في مستويات الصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية، واستمرار لحالة عدم استقرار بعض النظم السياسية. كذلك تسببت ثقافة العمالة والخيانة والارتزاق التي أسسها المستعمر التركي العثماني بحالة صراع مستمرة بين الأقاليم والمناطق العربية مما تسبب بتباعد بين هذه الأقاليم العربية، ونفور وتشاحن بين أبناء هذه المناطق العربية. وبالإضافة لهذه الحالات البائسة لثقافة العمالة والخيانة والارتزاق، تسببت هذه الثقافة السلبية أيضاً بتأصيل ثقافة العمالة والخيانة المجانية لدى البعض تجاه الدول الاستعمارية المتطلعة لسرقة ثروات وخيرات وموارد الأراضي العربية، حتى رأينا هناك من يُعلن -بكل فخر واعتزاز ومن دون حياء أو خجل- تبعيته وعمالته لدول الاستعمار الإقليمية والعالمية.

نعم، لقد غاب المُستعمر التركي العثماني، ومن بعده الغربي، عن الوطن العربي، إلا أن هؤلاء المستعمرون الأعداء ورَّثوا خلفهم ثقافة العمالة والخيانة والارتزاق لتؤسس هذه الثقافة الهدامة مع تقادم الزمان أدوات طيعة ذليلة هدفها مواصلة تواجد قوى الاستعماري داخل الأوطان العربية، ولتكون أدوات هدم وتخريب في داخل المجتمعات العربية، وأدوات فتنة لزعزعة أمن واستقرار الدول العربية ونظمها السياسية، وإذا كانت الأحداث السياسية التي مرَّ بها الوطن العربي خلال السبعين عاماً الماضية تشهد بالآثار السلبية العظيمة التي تسبب بها هؤلاء العُملاء والخونة والمرتزقة -عناصر، أو أحزاب، أو جماعات- حتى أصبح الوطن العربي غير مستقر سياسياً، ومنهك اقتصادياً وتنموياً، ومنشغل أمنياً بمحاربة التطرف والإرهاب، فإن الأحداث السياسية التي يمر بها الوطن العربي مُنذُ نهاية عام 2010م تؤكد تأكيداً مباشراً بأن تواجد قوى الاستعمار الإقليمية والعالمية داخل الوطن العربي تصاعدت تصاعداً مُريباً من خلال العُملاء والخونة والمُرتزقة الذين نَذَروا أنفسهم لِخدمة مشروعات ومخططات وأهداف قوى الاستعمار، ويبذلون جهوداً عظيمة لتحقيق تلك الأهداف الهدامة والتدميرية للحصول على رِضا المستعمر حتى وإن كان الثمن أمن وسلم واستقرار أوطانهم العربية، نعم، لقد مرَّ الوطن العربي خلال العشر سنوات الماضية بحالة استهداف مباشرة لاستقراره السياسي والأمني، وحالة استهداف مباشرة لقدراته الاقتصادية والمادية والمالية، وحالة استهداف مباشرة لسلمة ووحدة مجتمعة، وجميع هذه المحاولات الهدامة لم تتمكن من تحقيق الأهداف المبتغاة لقوى الاستعمار بسبب قوة النظم السياسية العربية وتماسكها، وكذلك بسبب الوعي الكبير لدى الشعوب العربية لحجم المؤامرات الخارجية التي تحاك ضد أوطانهم وقياداتهم السياسية.

وعندما أيقنت قوى الاستعمار -الإقليمية والعالمية- أن أدواتها من العُملاء والخونة والمرتزقة داخل الأوطان العربية لن تتمكن من تحقيق كامل مخططاتها الهدامة والتدميرية من داخل الأوطان العربية، عملت هذه القوى الاستعمارية على تبني ودعم وتمويل وتأهيل عناصر عربية هاربة من أوطانها ومقيمة ببلاد قوى الاستعمار ليتم استخدامها كأدوات لبث الفتنة ونشر الشائعات داخل المجتمعات العربية، ولزعزعة أمن واستقرار النظم السياسية العربية، ولتشويه صورة وسمعة قادة الدول العربية والتقليل من حجم إنجازاتهم ومكانتهم بين شعوبهم. نعم، إن مخططات ومشروعات قوى الاستعمار تهدف لتجنيد وتدريب وتأهيل عدد كبير من العُملاء والخونة والمرتزقة من الهاربين من أوطانهم ويقيمون خارج الوطن العربي لأنهم وجدوا فيهم أدوات رخيصة يحققون من خلالهم أهدافهم التدميرية تجاه الأوطان العربية الغنية جداً بالثروات والموارد الطبيعية والمعادن النفيسة.

وفي الختام من الأهمية القول إن على قوى الاستعمار -الإقليمية والعالمية- إدراك بأن أدواتها الرخيصة من العُملاء والخونة والمرتزقة العرب -الذين تم دعمهم وتبنيهم وتمويلهم وتأهيلهم لهدم أوطانهم العربية- لن يحققوا لهم إلا مزيداً من الخزي والعار، ومزيداً من الابتعاد عن الشعوب العربية الأبية التي لن ترضى لأي كان المساس بأمن وسلم واستقرار مجتمعاتها ودولها وقادتها. إن حالة الوعي الكبيرة التي يعيشها المواطن العربي جعلته يقف صلباً في وجه المؤامرات والمخططات والعناصر والجماعات الهادفة لتدمير وطنه ودولته وتفتيت وحدة مجتمعه.