بعد أن أعلنت الفصائل العراقية الرافضة للنتائج الأولية التي أعلنتها المفوضية العامة للانتخابات في العراق والتي أجريت يوم العاشر من الشهر الجاري، حالة «النفير العام» حتى يتم إلغاء تلك النتائج، لم يعد خافياً أن العراق يُدفع دفعاً بأيدي أبنائه نحو هاوية الخطر.

فعندما يحاصر المحتشدون العراقيون الرافضون للنتائج التي جاءت بها صناديق الاقتراع والتي هي تعبير عن الإرادة الشعبية، وعندما يطالبون بإلغاء نتائج الانتخابات وتحديد موعد آخر لإجراء انتخابات بديلة، لا لشيء إلا لأنهم لم يحصلوا من الانتخابات الأخيرة على ما كانوا يأملون لاستمرار فرض سيطرتهم على السلطة، فهذا معناه وضع الإجبار والتسلط في مواجهة الديمقراطية والإرادة الشعبية، ما يمكن أن يدفع بالعراق نحو خيار الحرب الأهلية، والتفكك، وإعادة فرض «خيار التقسيم»، ما يعني أن العراق سيجد نفسه أمام رياح عاتية من الصراعات الداخلية تكون كفيلة ببعثرة مكوناته، وهذا هو الخطر الأفدح الذي لا يأمله أحد.

الحشود الضخمة التي تحاصر المنطقة الخضراء ببغداد منذ أكثر من عشرة أيام، أصدرت بياناً باسم من أسمتهم ب«اللجنة التنظيمية» قالت فيه «إننا في الوقت الذي نؤكد فيه تجديد رفضنا لنتائج الانتخابات، نطالب كذلك بمحاكمة أعضاء المفوضية العليا للانتخابات، لكونها شاركت في مخطط التلاعب بمصير الأصوات، وباتت أداة طيعة بأيدي أولئك الذين يخططون لخلط الأوراق والدفع بالعراق نحو المخططات الأمريكية».

هذه الحشود التي تديرها وتحرّكها الكيانات والأحزاب التي أخفقت في الحصول على الأصوات التي تؤهلها للفوز بمقاعد كبيرة في البرلمان تمكنها من الاستمرار في الإمساك بالسلطة والقرار، تطالب بإعادة فرز الأصوات يدوياً، بدلاً من العد الإلكتروني الذي تشكك في نزاهته وجديّته. من جانبها أعلنت المفوضية العليا للانتخابات أنها تسلمت 1400 طعن وشكوى من المعترضين على النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية، وأنها تعتزم الشروع بفتح 297 محطة انتخابية في 13 محافظة عراقية لإجراء عمليات العد والفرز يدوياً، وأنها ستبدأ ذلك الأربعاء (أمس الأول).

وأشارت إلى أن إعادة الفرز اليدوي لن يغير كثيراً في النتائج، خاصة أن أغلبية الطعون والشكاوى التي قدمها المعترضون لم تثبت حصول عمليات خرق وتزوير كبيرة، وأنها من المقرر أن تنهي جميع عمليات إعادة العد والفرز تلك، وإعلان النتائج النهائية للانتخابات والمصادقة عليها من المحكمة الاتحادية العليا نهاية الشهر الجاري، وهذا يعنى أن العراق في طريقه إلى مواجهة أيام عصيبة من اليوم (الجمعة)، وحتى يوم الاثنين المقبل، وما يليه إذا جاءت الانتخابات النهائية للانتخابات بعد إعادة الفرز والمصادقة عليها من المحكمة العليا على غير هوى الأحزاب والفصائل الرافضة، والمحتشدة على أبواب المنطقة الخضراء، والتي تلوّح باقتحام هذه المنطقة والدخول إلى مجلس الوزراء، ومكتب رئيس الحكومة، والسيطرة عنوة على السلطة، في خطوة قد تكون بمثابة انقلاب إذا ما قام «الحشد الشعبي» وفصائله بذلك الدور.

الكثيرون ممن يضعون أيديهم على قلوبهم ويأملون الخير للعراق يراهنون على أن مثل هذا الخيار السوداوي يواجه نقاط ضعف كبيرة، فهو ليس محل إجماع كل الخاسرين من الفصائل الشيعية، ويتحدثون عن وجود انقسامات في أوساط تلك الفصائل، بين من يدفع البلاد نحو الهاوية عبر فرض الخيار العسكري، وإحداث انقلاب على الانتخابات ونتائجها، أي على الإرادة الشعبية وفرض خيار الإجبار، وفي أوساطهم بعض كبار العقلاء الذين يحاولون احتواء الأزمة من خلال الحوار مع الفائزين على اقتسام للسلطة بشكل يرضي الخاسرين والفائزين.

هؤلاء يوجهون، بدورهم رسائل تحذيرية ساخنة لزعماء التيارين، السني والكردي، لمنعهما من التوافق مع التيار الصدري المتصدر لنتائج الانتخابات (73 مقعداً) وتشكيل الحكومة من دون مشاركة ما يسمونه ب«الإجماع الشيعي»، أي أنهم مع خيار مشاركة الجميع في السلطة عبر آلية المحاصصة السياسية المقيتة التي أفسدت العراق.

والمتابعون لحوارات قادة الرفض يقولون إنهم مرتابون من بعضهم بعضاً، وإنهم يعملون بشكل منفرد، وإن ما يسمى ب«الإطار التنسيقي» قابل للتفكك في أية لحظة، فرئيس دولة القانون نوري المالكي الطامح إلى العودة إلى رئاسة الحكومة لا يثق بعمار الحكيم زعيم «تيار الحكمة» الذي يسعى جاهداً إلى تحقيق «وئام وطني»، وتحاور حول ذلك مع رئيس الجمهورية، بسبب قربه من مقتدى الصدر، وأن قيس الخزعلي لا يثق بهادي العامري الذي يراه كثيرون مرناً أمام أية تسوية تحفظ ما تبقى من نفوذه.

أيام قليلة عصيبة ربما، لكنها ستكون مهمة وحاسمة في تحديد أي مستقبل ينتظر العراق بعد الانتخابات.