في زيارة رفيعة المستوى للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المملكة العربية السعودية قبل أيام سعى الـرئيس الـفرنسي من خلالها إلى ترسيخ العلاقات مع المملكة وتعزيز الدور الفرنسي سياسياً واقـتصادياً وبـناء تـحالفات أقـوى وأكثر ثقة بين فرنسا والمملكة بشكل خاص، وبينها ودول الخليج بشكل عام.

في هذا الوقت الحساس للغاية على المستوى الـسياسي والاقـتصادي والعسكري في المنطقة بالتزامن مع الأزمات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى المفاوضات التي تجري في فيينا حول الملف النووي الإيراني، ومــسارات الــدور الفرنسي المؤثر في المفاوضات، فإن الحاجة إلى توسيع رقعة التحالفات السياسية والاقتصادية بات ضرورة ملحة للمملكة ودول الخليج، هذا فضلاً عن حاجة فرنسا نفسها إلى تعزيز دورها الخارجي وتحالفاتها الدولـية خاصة في منطقة الخليج العربي، بعد تعكر الأجواء السياسية بينها وبين بعض دول أوروبا من جهة، والصدامات التي حدثت مع الإدارة الأمريكية الحالية حـول أفـغانسـتان والانـسحاب الأمـريـكي الـذي تـرك الحـلفاء الأوروبيين في موقف سيئ للغاية، هذا بالإضافة إلى خلافات أخرى تتعلق بـالـضربـة الـتي وجهـتها الـولايـات المتحـدة لفـرنـسا عـبر تـحالـف أوكـوس والـضربـات الموجهة لـلصناعـات الـدفـاعـية الـفرنـسية وإلغاء صـفقة غـواصات مع أسـترالـيا، بالإضافـــة إلى عرقلة مصالح فرنـسا وأوروبا في المحيطين الهندي والهادئ.

يشاع في الأوساط السياسية والإعلامية أن الرئيس ماكرون جاء ليلزم السعودية فألزمته، بمعنى أنه من أهداف الزيارة الاتفاق على آلية لمساعدة لبنان وعودة العلاقات السعودية اللبنانية إلى سابق عهدها، ورغم عدم دقة هذه التحليلات إلا أن جزءا منها صائب في ما يتعلق بإلزام لبنان بتنفيذ اتفاق الطائف، كون الطرفين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي قد تناولا الشأن اللبناني على هامش الزيارة ومن جملة عدة قضايا في المنطقة العربية شملت اليمن والسودان وليبيا والعراق وسوريا ولبنان، حيث اتفقا على ضرورة إجراء الحكومة اللبنانية لإصلاحات شاملة والالتزام باتفاق الطائف المؤتمن على وحدة لبنان الوطنية والسلم الأهلي فيها وحصر السلاح في مؤسسات الدولة الشرعية وألا يكون لبنان منطلقاً للعمليات الإرهابية التي تزعزع أمن واستقرار المنطقة ومصدراً مشبوهاً لتجارة وتصدير المخدرات، مع التأكيد على تعزيز دور الجيش اللبناني في حفظ الأمن والاستقرار داخلها، وهنا يتضح جلياً أن البيان الرسمي المشترك للزيارة قد رهن - ضمنياً - أن أي استقرار للبنان لن يتحقق دون حصر السلاح بالجيش الرسمي للدولة وتقليص دور حزب الله هناك.

قد يعزو البعض استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي إلى رغبة المملكة بذلك كشرط للاتفاق السعودي الفرنسي حول جزئية لبنان وهذا تحليل خاطئ جملة وتفصيلاً، فإساءة وزير مستجد في حكومة (كهذه) لا تعني للمملكة كثيراً، خصوصاً أنها ليست المرة الأولى وقد لا تكون الأخيرة، فالاستقالة من عدمها لن تضيف لدولة كبرى كالمملكة العربية السعودية أي أهمية على عكس ما قد تنتقصه الإساءة من لبنان حكومة ودولة، وهي في الأساس حكومة عاجزة ومنقوصة تحت سطوة مليشيا إرهابية جرفتها إلى منعطفات سياسية واقتصادية خطيرة، ولهذا السبب فإن النقاش حول الاستقالة وربطها بأحداث مجدولة هو في الأصل أمر لا يليق وحجم المملكة سواء جاءت كاعتذار أو محاولة لترميم العلاقات من الجانب اللبناني!