مطلع ليل الأحد الماضي، ختم مراسل إحدى شبكات التلفزيون البريطاني، ذات الحضور العالمي، تقريره بالقول إن بوريس جونسون، رئيس الوزراء، سوف يمضي مع ختام الأسبوع المقبل نحو إجازة «الكريسماس» فيما هو يقاتل على جبهات عدة. ذلك قول صحيح تماماً، ومطابق لواقع ينطق بمتاعب كثيرة تحاصر سياسياً ليس جديداً على خوض غمار المعارك مع الخصوم السياسيين، غير أن كثيرين أيضاً طفقوا يرجحون كفة احتمال ألا يُكمل السياسي العنيد فترة رئاسته للحكومة حتى الانتخابات العامة عام 2024 المقبل. ضمن أجواء كهذه، هل يمكن تصور أن عيد بوريس جونسون سعيد، وبلا أي سبب للقلق على الإطلاق؟ الأرجح أن النفي هو الجواب الأصح.
بدأت المتاعب تنهال على الرجل، وتغزو عقر داره في «داونينغ ستريت»، منذ تسرب فيديو، أوائل الشهر الحالي، كشف إقدام عدد من كبار مساعدي جونسون على تنظيم حفل داخل مقر رئاسة الحكومة خلال أيام أعياد العام الماضي، وأثناء أشد مراحل القيود المفروضة على عموم الناس بسبب فيروس «كورونا». السياسي المعروف بإجادة التلاعب بأحاييل التعابير السياسية - بالطبع يجيدها فهو صحافي، أولاً، ثم كاتب مقال، ثانياً، فواضع أكثر من كتاب، ثالثاً - حاول درء التأثير السلبي لذلك الفيديو، وما احتوى من مشاهد عُدت معيبة بما تضمنت من ضحك وتنكيت، حول القيود المفروضة، وما المسموح والممنوع من طعام وشراب أثناء الحفل، بينما كان الناس شبه محبوسين داخل البيوت، لا يغادرون إلا للضرورة القصوى، بل كانوا ممنوعين حتى من التواصل مع أقاربهم كبار السن نزلاء دور رعاية المسنين. محاولات جونسون انتهت هباء منثوراً، ذهبت أدراج رياح غضب اجتاح نفوس الكثيرين، بما في ذلك صفوف حزب «المحافظين» أنفسهم، وبالتالي بدا طبيعياً أن يصل الاحتجاج إلى قواعد ناخبين اعتادوا إعطاء أصواتهم للحزب منذ سنين، فإذا بصدى المتاعب ينتظر جونسون عند منعطف طريق انتخابات فرعية، ويزعق مُدوياً عبر نتائج كارثية لتلك الانتخابات.
حصل ذلك في دائرة شمال شروبشاير يوم الخميس الماضي، عندما خسر نيل شاستري هيرست، مرشح حزب «المحافظين» بحصوله على 12 ألفاً و32 صوتاً، المعركة أمام هيلين مورغان، مرشحة حزب «الليبراليين الديمقراطيين» التي حصلت على 17 ألفاً و957 صوتاً. واضح أن تجاوز الفارق خمسة آلاف صوت، يعكس حجم اهتزاز ثقة الناخب الموالي أصلاً لحزب بوريس جونسون في إدارة الزعيم الحالي للحزب. صحيح أن تلك الهزيمة ليست بالضرورة مؤشراً على أن خصوم «المحافظين»، سواء حزب «العمال»، أو «الليبرالي الديمقراطي»، سوف يكسبون حتماً معركة انتخابات 2024، لكنها بالتأكيد موجب للقلق، خصوصاً أنها أتت بعد يومين فحسب (الثلاثاء 16 الجاري) من موقف ليس أقل حرجاً تعرض له بوريس جونسون تحت قبة مجلس العموم، عندما رفض تسعة وتسعون نائباً من حزبه تأييد إجراءات تفرض مزيداً من القيود للحيلولة دون تواصل انتشار الإصابات بمتحور «أوميكرون»، ولولا دعم نواب «العمال» لما أمكن تمرير تلك الإجراءات. ثلاث حالات متوالية؛ أولاها حكاية الفيديو الذي كشفته قناة «آي تي في»، ثم تمرد النواب على زعيمهم، فهزيمة الانتخابات الفرعية في شمال شروبشاير، بدت كافية لأن تعزز أسباب قلق عتاة الزعامات التقليدية في حزب «المحافظين»، وهؤلاء، كما أثبتت أحداث عدة عبر السنين، لا يترددون في إزاحة أي رئيس حكومة تمثل حزبهم عندما يرون أنه، بسبب السياسات، أولاً، أو طول سنوات المكوث في الحكم، أو حتى التصرفات الشخصية، صار عبئاً على الحزب (LIABILITY)، ولعل أشهر الأمثلة على ذلك النهايات السياسية لكل من المنتصر في الحرب العالمية الثانية، ونستون تشرشل، والمرأة الحديدية مارغريت ثاتشر.
ثمانٍ وأربعون ساعة فقط مرت على هزيمة انتخابات شروبشاير، فإذا برئيس الحكومة المحاصر بالمتاعب يتلقى مساء السبت الماضي، ضربة جديدة تمثلت باستقالة اللورد فروست، وهو أحد أقرب الحلفاء من بوريس جونسون، ومن أهم وزراء الحكومة، كونه الوزير المسؤول عن حقيبة «بريكست»، ثم إن خطاب الاستقالة جاء صاعقاً في حدة الاعتراض على ما وصفه اللورد المستقيل بالتخبط في سياسات الحكومة، سواء بشأن خطط مواجهة «كورونا»، أو فرض ضرائب جديدة. الأغلب أن الرئيس جونسون تلقى كثيراً من بطاقات معايدة تتمنى له «الكريسماس» السعيد، لكن الأرجح أن كل تلك التمنيات لن تكفيه لأن ينعم بعيد يخلو تماماً من متاعبه في الحكم.