في أوغندا تعيش السيدة المسلمة مريم ناباتانزي ذات الـ42 عاما التي أنجبت 44 طفلا مات ستة منهم وما زال 38 على قيد الحياة، يبلغ أكبرهم 30 عاما بينما أصغرهم في الخامسة من عمره. تبدأ حكاية مريم حين قرر والدها تزويجها وهي في الـ12 من عمرها طمعا في المهر، ولم يكن يعلم أنها تعاني حالة وراثية نادرة تسبب لها خصوبة عالية، حيث بدأت في إنجاب التوائم بشكل عجيب، فولدت خمس مرات توائم رباعية، وأربع مرات توائم ثلاثية، وست مرات توائم ثنائية، ليكون مجموع أبنائها 44 طفلا. هذا العدد الكبير جدا من الأبناء الذي تطلب نفقات هائلة لم يستطع الأب القيام بها في ظل الفقر المدقع دفعه للهروب من مسؤولياته والاختفاء ببساطة. في إحدى اللقاءات مع الأم قالت، إنها تشعر بالسعادة لوجود أبنائها حولها رغم ظروفها المادية الصعبة، ورغم كل الإيذاء النفسي والتنمر الذي يطولها من جيرانها وسكان بلدتها.
قصة هذه المرأة استوقفتني كثيرا لا بسبب عدد الأبناء الكبير، بل لأنها تحمل رسالة عميقة جدا لكثير من الأمهات اللاتي لا يدركن القيمة الحقيقية للأمومة. أذكر قبل شهر اتصلت بي إحداهن وهي تشتكي بحرقة من مسؤوليات الأمومة والتربية التي أثقلت كاهلها في ظل تخلي الزوج عن مشاركتها، وتطلب مني إرشادها خصوصا أنها موظفة والمسؤولية ثقيلة عليها حسب وصفها. هذه الأم الشابة لديها خادمة وسائق وثلاثة أطفال يبلغ أصغرهم الرابعة من عمره وتساندها والدتها في الإشراف عليهم ووظيفتها مكتبية ودخلها ممتاز وكذلك دخل زوجها. حين أقارن بين مريم والأم الثانية سنجد أن الأمومة ليست صورا تلتقط ولا رحلات مرفهة ولا أعياد ميلاد فخمة. الأمومة هي إيمان الأم العميق بالمسؤولية تجاه الأبناء الذين قررت بكامل إرادتها بعد مشيئة الله جلبهم إلى هذا العالم، وهي الالتزام الإنساني المطلق تجاه الأبناء بغض النظر عن تخلي الطرف الآخر عن بعض مسؤولياته أو كلها، وهي الرضا التام بمختلف الأحوال التي قد تخضع لمصاعب غير متوقعة، وهي الإحساس بالامتنان لله على وجود الأبناء في حياتها مهما ساءت الظروف من حولها.
مريم لم تسلك طريق الهروب كما فعل زوجها وكان بإمكانها ذلك، لكنها اختارت أن تنجح في اختبار أمومتها. دوما أقولها وأكررها أن قرار الأمومة هو أصعب قرار في حياة المرأة، لأنه التزام ومسؤولية ورضا تام وإحساس بالامتنان.
وخزة:
أبشع رسوب في التاريخ هو رسوب المرأة في اختبار أمومتها.