أضحت روسيا والصين قوتين متحالفتين أكثر من أي وقت مضى، فمحددات النظام الدولي الجديد، والصراعات الدولية الجديدة، والتوجه الجديد للدبلوماسية الأميركية بعد وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض، وفقدان واشنطن للردع الاقتصادي والعسكري والحمائي بل وحتى الثقافي كما كان عندها في السابق، وموت الثنائية القطبية أو الأحادية القطبية حيث لم يعد لهما نفس المدلول مع صعود اقتصاديات الدول الآسيوية واقتصاديات أخرى، واتساع رقعة الأزمة المالية العالمية والتنافس التجاري العالمي، وعولمة الخدمات.. كل هذا ساهم في تقوية التحالف بين روسيا والصين، وقد أعلنتا في يوم افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، قبل أسبوعين من الآن، شراكةً «بلا حدود» لتدعم كلٌّ منهما الأخرى في مواقفها، مع تعهد بزيادة التعاون في مواجهة الغرب.
واستنكر البلدان اللذان تشهد علاقاتهما مع واشنطن توتراً متصاعداً، دورَ التحالفين العسكريين الغربيين اللذين تقودهما الولايات المتحدة الأميركية: حلف شمال الأطلسي («الناتو») وحلف «أوكوس» الذي أنشئ بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا عام 2021، باعتبارهما يقوّضان «الاستقرار والسلام العادل» في العالم.
وكانت روسيا هي المستفيد الأكبر من هذا الإعلان، لأن دعم عملاق اقتصادي وسياسي مثل الصين سيجلب لها فوائد جمة، فلا غرو أن الصين هي أيضاً مستفيدة من هذا التعاون، خاصة أن إدارة الرئيس الأميركي جعلت من التصدي لصعود الصين أحد الأولويات الكبرى لسياستها الخارجية، كما أنها يمكن أن تستفيد من ذلك في الصراع ضد الدول الغربية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
ولدى روسيا والصين في الوقت الحالي، أهداف مشتركة من بينها إنهاء الهيمنة الأميركية على النظام العالمي، والتأثير فيه كفاعلَين أساسييْن يحسب لهما ألف حساب، وبناء نظام دولي جديد يقوم على أساس رؤيتهما لحقوق الإنسان والديمقراطية.. لذا لفتت الدولتان في الإعلان المشترك، عقب القمة الثنائية الأخيرة في بكين على هامش افتتاح الأولمبياد، إلى أن «الصداقة بين البلدين ليس لها حدود، ولا حظر فيها على التعاون في أي مجال».
وفي إطار أزمة الغاز الأوروبية، استثمر بوتين زيارته الأخيرة لبكين لاقتراح صفقة غاز جديدة مع الصين تقدَّر قيمتها بنحو 117.5 مليار دولار وتعهد بزيادة صادرات روسيا في الشرق الأقصى.. وهذا سيقلل من اعتماد موسكو على عملائها التقليديين في أوروبا، كما أنه سيشكل ضربة استباقية للعقوبات الغربية المحتملة ضد روسيا حال احتدام الموقف حول أوكرانيا.
وقال بوتين في اجتماع مع الرئيس الصيني لمناقشة التعاون الوثيق: «أعَدَّ رجال الطاقة لدينا حلولاً جديدة جيدة جداً بشأن إمدادات الهيدروكربون إلى جمهورية الصين الشعبية»، وهذا يعني أن هناك تعاوناً استباقياً بين روسيا والصين للحد من العقوبات الغربية المحتملة في حق روسيا، وأن هناك استراتيجيات مستقبلية تجعل من تداعيات قطع الارتباط الاقتصادي بين روسيا وأوروبا، بتحريض أميركي، أمراً ذا نتائج محدودة للغاية.