يسيطر على طلاب الثانويات العامة في هذه الأيام التفكير في التخصص العلمي الذي يجدر بهم أن يلتحقوا به، شريطة أن يحقق لهم المجد الوظيفي والمالي، ومن حسن الحظ أن أحد مراكز الأبحاث وزع فيديو في الأيام القليلة الماضية، يتحدث عن التخصصات العلمية المطلوبة في سوق العمل: الأمن السيبراني، والمال والأعمال، والطب، وإن أسواق العمل في كثير من دول العالم المتقدم سجلت أعلى طلب على هذه التخصصات.
وإذا كانت أسواق العالم تسجل أعلى طلب على هذه التخصصات، فأعتقد أن السوق السعودية لا تختلف عن السوق العالمية، وهذه التخصصات تسجل بالفعل أعلى طلب في السوق السعودية.
وأعتقد أنه منذ بداية القرن الـ21 أخذت الجامعات في العالم الغربي تعمل على إعادة هيكلة كليات الأعمال وكليات الحاسب الآلي، وكليات الطب، بل إن بعض الجامعات الكبرى التي درجت على إعادة هندسة مناهجها، مثل: هارفارد، وستانفورد، وبنسلفانيا، وديوك، طورت مناهج كليات المال والأعمال والحاسب الآلي، وأعطت استقلالية كاملة لكليات المال والأعمال وكليات الحاسب الآلي لكي تخرج العقول المبدعة والقادرة على صناعة المدن الذكية، وتحقيق الحلول غير التقليدية.
وإذا كان الطلب على حاملي هذه التخصصات يتزايد، فإن الطلب على هذه الكليات بدأ يتزايد من قبل الطلاب الذين يستهدفون التأهل الأكاديمي للعمل في المؤسسات الأمنية والبنوك والشركات الكبرى.
ونتيجة لذلك بدأت هذه الكليات تحتل الصدارة بين كليات القمة في الولايات المتحدة، وفي بعض دول الاتحاد الأوروبي، ومن المؤكد أنها سجلت في السعودية بعض الأرقام اللافتة.
وتراهن كليات الحاسب الآلي وكليات المال والأعمال بأن الأزمة المالية العالمية التي ضربت الاقتصاد الدولي عقب فيروس كوفيد - 19 سببها الفشل الإداري في مؤسسات الأمن والبنوك، وغيرها من المؤسسات الصحية، ذلك لأن الكفاءة الإدارية في مواجهة الأزمة لم تكن في المستويات المطلوبة، ونأخذ الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال نلاحظ أن (الإدارة) في هذه الدول وراء تفشي الوباء في جميع أوصال بلدانها، ولذلك كانت الإصابات بوباء كورونا في هذه الدول من أعلى الإصابات التي تعرضت لها دول العالم.
ونتيجة لكفاءة الكوادر المتخرجة في كليات الأعمال والمال والأمن السيبراني والطب، فقد بدأ الطلب على هذه التخصصات يرتفع في الدول الغربية التي عانت ويلات كورونا، كذلك بدأ الطلب على هذه الكوادر يتزايد لشغور وظائف المديرين التنفيذيين التي بدأت تتزايد في سوق العمل وتطلب حاملي هذه الكفاءات.
العالم بدأ يدرك أن السبيل إلى تحقيق النمو الحقيقي هو الاهتمام بقطاعات الأمن والمال والصحة، ومن بوابة إدارة الأمن السيبراني والمال والأعمال تحقق الصين، وسنغافورة حاليا، معدلات عالية في نمو الناتج القومي الإجمالي، وفي كلية فودان لإدارة الأعمال في شنغهاي تشهد الكلية طلبا متزايدا على حملة الماجستير في إدارة المال والأعمال. ويقول جين هوانج رئيس مكتب تطوير السير العملية في كلية فودان: "ألاحظ أن الشركات متعددة الجنسيات لديها موظفون أمريكيون وأوروبيون، وتريد الآن توظيف مزيد من الآسيويين الحاملين لشهادة الماجستير في إدارة المال والأعمال والمتخصصين في الأمن السيبراني.
وفي هذه الأيام تتدفق من الولايات المتحدة وأوروبا إلى آسيا، وبالذات إلى الصين وسنغافورة، مجموعة كبيرة من علماء الإدارة في الولايات المتحدة وبريطانيا.
والسعودية لم تكن بعيدة عن كل ما يجري في الأوساط العلمية في الدول المتقدمة، بل باشرت الجامعات السعودية في اتخاذ قرار بإنشاء كلية مستقلة للمال والأعمال على غرار كلية الأعمال في جامعة هارفارد، ويعمل في الكلية مجموعة من الكوادر التي تم تأهيلها تأهيلا عاليا في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ومع أن الكلية حديثة عهد إلا أنها حققت نجاحات عالية المستوى، وخرجت مديرين تنفيذيين سعوديين على درجة رفيعة من التأهيل والتميز، ولذلك فإن كلية الأعمال في جامعة الملك عبدالعزيز تحتل مكانة مميزة في سوق العمل السعودية.
كذلك لا يخفى على الجميع اهتمام الإدارة السعودية بالأمن السيبراني، وتوظيف كثير من الشباب المؤهل في مجالات الأمن السيبراني الذي أصبح جهة من الجهات الحكومية التي تحظى باهتمام خاص من الحكومة الرشيدة.
وبالنسبة إلى الطب، فإن كثيرا من الجامعات السعودية لديها كليات للطب، وتحظى باهتمام عال جدا للوصول إلى المنافسة العالمية، لذلك نستطيع القول إن كليات الطب في المملكة تخرج الكوادر الأكفاء الذين يستطيعون أن يدخلوا حلبة المنافسة مع كبار الأطباء في العالم.
والملاحظ أن دول العالم في القرن الـ21 باتت تبني استراتيجياتها على موضوع الأمن السيبراني، وعلى نمو المال والأعمال، ثم على دائرة عميقة من الصحة العامة والطب المتقدم. والحقيقة أن الأمن السيبراني هو الشبكة الرقمية التي تعنى ببناء حائط الأمن الوطني وتوفر الظروف المناسبة لتحقيق النهضة والتنمية في جميع مجالات الحياة.
إن الدوائر الثلاث هي المحرك للتنمية الشاملة، وحماية المكتسبات المتحققة.
- آخر تحديث :
التعليقات