يعيش العالم اليوم حالة من القلق بسبب انتشار وباء كورونا الذي أغلق حدود العالم ما يزيد على ثلاث سنوات، وراح ضحاياه ملايين البشر، ولا نعرف متى تنتهي هذه الكارثة التي تهدد البشرية.
ورغم ما يعيشه البشر جراء الجائحة، إلا أن نيران الحرب اشتعلت في أوروبا، وبالتحديد بين روسيا وأوكرانيا التي كانت إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، والتي انقسم فيها العالم مرة أخرى بين القوى الكبرى المتصارعة.
وعلى الرغم من كل الحروب التي شهدها، ويشهدها العالم بكل مآسيها، إلا أن البشرية تواجه عدواً شرساً آخر لا يقل خطراً على البشرية. فالحروب تبدأ وتنتهي، إلا أن العنصرية متأصلة وتضرب جذورها في الأفكار والممارسات التي تفرق بين البشر على أساس الدين والعِرق .
فما جرى في السويد مؤخراً، من إحراق لنسخ من القرآن الكريم، الكتاب المقدس لدى أكثر من مليار مسلم على كوكب الأرض، والذي قامت به زمرة من المتطرفين، يمثل استفزازاً وقحاً، وتعدّياً سافراً على أحد أعظم الأديان السماوية، وتحدّياً لكل القيم الدينية والإنسانية والأخلاقية، نظراً لم يحمله من ازدراء للأديان، ويحرّض على الكراهية والعنف والتطرف، ويحض بالتالي على الإرهاب.
إن العنصرية التي تجلت في هذا العمل الخبيث، وحصل مثله من قبل في الولايات المتحدة على يد القس المتطرف تيري جونز عام 2010، ونشر صور كاريكاتيرية مسيئة لرسول المسلمين في دول أوروبية، إنما تشكل خطراً على البشرية، نظراً لما تحمله من فكر ظلامي يقود إلى صراعات دينية لا تنتهي .
إن العنصرية بهذا المعني هي آفة العصر، وكل عصر، لأنها تؤدي إلى دمار المجتمعات. فالإساءة إلى الأديان ونشر العنصرية يسيئان حرفياً إلى البشر، ويعززان من الكراهية بين أفراد المجتمع الواحد. ومما لا شك فيه أن ما يعيشه العالم اليوم من قلق وتوتر جراء هذه الإساءات التي تقوم بها هذه المجموعات المتطرفة يجعله أكثر تفككاً وتخلفاً. وما حدث في السويد، وما يحدث في فلسطين على يد قوات الاحتلال والمستوطنين في مدينة القدس والمسجد الأقصى من انتهاكات للمقدسات الإسلامية والمسيحية، وعنف ضد الفلسطينيين، إنما هو نموذج صارخ عن مدى المخاطر التي تهدد الأمن والسلام العالميين.
إن هذه الممارسات العنصرية المتطرفة المناهضة للأديان السماوية تعيد إلى الأذهان كل الحروب الدينية التي شهدها العالم خلال القرون الماضية، وما تخللها من كوارث، الأمر أدى إلى احتجاجات عارمة في الدول العربية والإسلامية، وحتى في الدول الأوروبية لدى الجاليات المسلمة التي تمثل نسبة كبيرة في هذه المجتمعات، وأيضاً إلى استنكار الدول العربية والإسلامية، وتقديم احتجاجات على هذه الأعمال العنصرية.
تفتقر دول متقدمة تتنوع فيها الديانات والأعراق إلى قوانين تجرّم هذه الأفعال الشنيعة، وبعضها يعاني عدم فاعلية قوانين مكافحة الإرهاب والتطرف، وللأسف فإن عدم تجريم هذه الأفعال أدى إلى تنامي المتطرفين الذين يزعزعون أمن واستقرار مجتمعاتهم بهذه الأفعال الشنيعة. لقد حان الوقت وبشكل جدي لوضع قوانين لمكافحة العنصرية والإساءة إلى الأديان وحماية مقدسات البشرية من هؤلاء المتطرفين، ومحاربة كل أنواع الإساءة إلى البشرية كي تنعم مجتمعاتهم بالسلام والاستقرار.
إن دولة الإمارات نموذج للمجتمع المتعايش والمتسامح والمسالم، وبفضل القيادة الرشيدة والتشريعات التي أصدرتها حكومة الإمارات من خلال قوانين مكافحة الإرهاب والتطرف منذ سنوات عدة، أصبح المجتمع الإماراتي خالياً تماماً من مثل هذه التصرفات غير المقبولة من العنصرية، أو الإساءة للأديان.
وبالرغم من أن المجتمع الإماراتي تتواجد فيه أكثر من 200 جنسية، وفيه تنوع في المعتقدات والأديان والثقافات، إلا أنها استطاعت خلال الخمسين عاماً أن تكون مجتمعاً متماسكاً مترابطاً متعايشاً، ويرجع ذلك إلى المبادئ الرفيعة وقيم التسامح والأخلاق الحميدة التي غرسها المغفور له، القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بين أفراد المجتمع من أبنائه المواطنين والمقيمين على هذه الأرض الطيبة، إذ حرص جاهداً على ترسيخ أهم قواعد الإنسانية بين أفراد المجتمع الإماراتي، وحملت من بعده لواء التسامح والتعايش القيادة الرشيدة لدولة الإمارات التي ترجمت هذه القيم إلى تشريعات وقوانين بنيت عليها مبادئ وقيم المجتمع الإماراتي الذي يتسم بالتسامح والسلام ويرفض مثل هذه الأعمال المناهضة للقيم الإنسانية.
التعليقات