في عام 2005 أصدرت الاستاذة فوزية صالح الرومي كتابا من 433 صفحة، حمل عنوان «تاريخ نزوح العائلات الكويتية العريقة إلى الكويت ودورها في بناء الدولة ونشأة الكويت حتى وقتنا الحاضر»، وفي عام 2017 أصدرت الباحثة الكويتية حصة عوض الحربي سفرها الضخم «تاريخ الهلاقات الكويتية الهندية 1896 - 1965». نعتمد هنا على ماورد في هذين المؤلفين، ونقتبس الباقي من مصادر ووثائق أخرى متنوعة لنسلط الضوء على سيرة واحدة من العائلات التجارية المعروفة التي ارتبط ذكرها بالشيخ مبارك صباح الصباح الشهير بمبارك الكبير وهو حاكم الكويت السابع ومؤسسها الحقيقي والذي تولى الحكم من 17 مايو 1898 إلى 28 نوفمبر 1915.

هذه العائلة هي عائلة السديراوي. أما سبب ارتباطها بالشيخ مبارك الكبير فهو أن أحد أفرادها، وهو سالم بن عبدالله السديراوي، ظل على مدى سنوات طويلة يعمل وكيلا للشيخ مبارك في «بمبي»، حيث أقام هناك مع عائلته وعمل في القومسيون وتاجر في اللؤلؤ وسلع أخرى مثل الأخشاب والمواد الغذائية والبن والتوابل والأقمشة، وكان له فيها مكتب تجاري قرب «كروفورد ماركت» ومجلس عامر يلتقي فيه التجار والبحارة الكويتيين والخليجيين، ومنزل صيفي في بونا، علمًا بأن الرجل بدأ حياته العملية في تجارة الخيول ما بين الكويت والشام والهند مع ابن خالته جاسم محمد صالح الحميضي، وأنجب من زوجته هيا المعيوف عددًا من الابناء والبنات قبل أن يتوفى في الهند بتاريخ 10 إبريل 1906، وهو شاب بمرض الطاعون. وبعد وفاته، خلفه إبنه الأكبر محمد بن سالم بن عبدالله السديراوي المولود في 17 سبتمبر 1885م وكان يتردد عليه أخوه عبدالله بن سالم بن عبدالله السديراوي المولود في 10 فبراير 1902 من أجل مساعدته في تجارته قبل أن يستقر الأخير ايضا في بمبي بدءًا من عام 1914.

كان محمد سالم السديراوي أحد أنشط الخليجيين المقيمين في بلاد الهند إلى الدرجة التي قال عنه المرحوم الشيخ عبدالله الجابر الصباح رئيس محاكم الكويت قبل الاستقلال وأول وزير للتربية والتعليم بعد الاستقلال بأن «محمد سالم السديراوي هو أول دبلوماسي مثّل الكويت في الخارج». وكان في الوقت نفسه من كبار الاثرياء العرب في الهند. وهناك صورة نادرة باللونين الابيض والاسود إلتقطت في عام 1918 في مصيف بونا وتظهر فيها سيارة مكشوفة ثمينة ـ بمقاييس ذلك الزمن - تقل محمد سالم السديراوي وأبنائه فهد وسالم وجاسم بالطرابيش التركية والازياء الاوروبية مع ابنتيه الصغيرتين حصة وشيخة، فيما سائقهم الهندي الخاص «نارين» يقف بجوار السيارة.

هاجرت أسرة السديراوي، وجميعهم من ذرية الجد الأكبر عبدالله سالم السديراوي، إلى الكويت في عام 1845م من إقليم سدير الواقع على بعد 180 كلم إلى الشمال من الرياض وسكنت في براحة السبعان بمنطقة القبلة، ويرجع نسب الأسرة إلى قبيلة سبيع المعروفة من فخذ الجملانيين من الجريان. لكن طبقًا لشيخ مؤرخي الجزيرة العربية حمد الجاسر رحمه الله فإن إسم الأسرة الأصلي هو الزكري ولقبوا بالسديراوي؛ لأنهم من حوطة سدير، ويضيف الجاسر أنهم ينتسبون إلى زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف من قضاعة.

ولعائلة السديراوي مصاهرات مع العديد من العائلات الكويتية المعروفة مثل: المعيوف، الوقيان، البرجس، الصبيح، الفوزان، العصيمي، الرفاعي، بوحيمد، العبدالرزاق، الرومي، الجارالله،السعيد،القريشي، المحري،الروضان، الرفاعي، السرحان، النصف، المشاري، الجوعان، العثمان، الراشد، الرشيد، والمطيري. على أن مصاهراتها مع عائلة الحميضي هي الأبرز. فزوجة عبدالله سالم عبدالله سالم السديراوي هي السيدة نورة الحميضي وزوجة أخيه محمد سالم عبدالله سالم السديراوي هي منيرة جاسم الحميضي ووالدة سعاد صالح الحميضي هي شيخة المحمد السديراوي رحمها الله. كما وأنّ السيدة تماضر عبدالعزيز محمد سالم السديراوي الوكيلة السابقة لوزارة التربية والتعليم متزوجة من عبدالله مشاري الحميضي، وفهد محمد سالم عبدالله السديراوي متزوج من شريفة يوسف الحميضي.

تعلم أبناء محمد سالم السديراوي في الهند ونهلوا العلوم الحديثة من مدارسها ومعاهدها واشتغلوا هناك مع والدهم في التجارة، فكسبوا الثقافة والخبرة والانفتاح على الآخر ومظاهر الحياة العصرية. وربما استمروا في اقامتهم بالهند لولا الكساد الذي حل بتجارة اللؤلؤ بسبب ظهور اللؤلؤ الياباني في عام 1929، وهو ما دعاهم للعودة إلى الكويت في عام 1931 للاستقرار نهائيًا فيها، ممتهنين التجارة وأعمال المقاولات المتنوعة أو شاغلين لمناصب عليا في القطاع الخاص. ومن الأشياء التي حملوها إلى وطنهم الأم وعرفوا مواطنيهم بها لعبة كرة القدم التي لم تكن معروفة في الكويت حتى ثلاثينات القرن الماضي. حيث إن ابن العائلة فهد بن محمد السالم السديراوي، المولود في الهند، كان عاشقًا للرياضة في مدرسته الهندية ويزاول فيها مختلف الالعاب التي زرعها الانجليز في الهند كالكريكيت والهوكي وكرة القدم، لكن اهتمامه الأكبر كان منصبًا على اللعبة الأخيرة. لذا فإنه بمجرد عودته مع أهله إلى الكويت قام بتأسيس أول فريق كرة قدم كويتي في عام 1932، وراح يجمع أصدقاءه ويعلمهم مبادئ وأحكام هذه اللعبة الجديدة. ثم قام في فترة لاحقة بتدريبهم عليها من خلال ملعب بالقرب من قصر السيف بعد نيله إذنًا خاصًا من الأمير الأسبق الشيخ أحمد الجابر الصباح، خصوصًا وأن الأخير استحسن الفكرة كونها تشغل وقت الشباب وتوفر لهم الفرح والحبور في زمن كانت فيه وسائل الترفيه شبه معدومة. وهكذا يكون آل السديراوي هم أول من أدخلوا كرة القدم إلى الكويت، ويكون ابنهم فهد محمد السالم السديراوي هو أول مدرب كرة قدم كويتي، بل كان أول من تولى تأسيس فريقين للعبة، كل منهما مكون من 13 لاعبًا من أصدقائه كي يتنافسا. ومن ضمن هؤلاء اللاعبين: جاسم وسالم السديراوي، أحمد زيد السرحان، حمد صالح الحميضي، أحمد وعبدالرزاق العنجري، جعفر الطوبجي، محمد البراك، احمد إبراهيم العدساني، عبداللطيف المحيميد، أحمد السيد رزوقي، داوود الرشود، أحمد عيسى السعد، عبدالله عبداللطيف العبدالجليل، محمد رفيع بهبهاني، صقر القضيبي، عبدالعزيز وبدر القناعي، محمد عبدالمحسن الخرافي، أحمد الفوزان، عبدالعزيز صالح المطوع، عبدالله المدير، عبدالعزيز الأحمد عيسى العسكر، عبدالكريم الجسار، علي المسعد، وعبدالله حاجي فرج.

تقول عقيلة المرحوم فهد السديراوي السيدة شريفة يوسف الصالح الحميضي في تحقيق منشور في صحيفة الأنباء الكويتية (26/‏12/‏2008) أن فهد لكي يميز بين الفريقين المتباريين في لعبة «الفوتبول» كما جرت العادة على تسميتها حينما انتقلت من الهند البريطانية إلى الكويت، قام بشراء لونين من القماش من محل «بهاسين» وكلفها بخياطة «فانيلات وشورتات»؛ لأن الملابس الرياضية الجاهزة لم تكن معروفة أو متوفرة في الكويت وقتذاك. وتضيف قائلة: «أعطاني فهد القماش وجلس بجانبي يساعدني ويوجهني فعملتُ نوعين من القمصان: الأول أبيض بوشاح أحمر والآخر أبيض بوشاح أخضر، وقد عملت الوشاح بعد أن وضعتُ صحنا على القميص لتكون الدائرة سليمة». وحول ذكرياتها عن بدايات كرة القدم التي ادخلها زوجها الى الكويت تقول الحميضي أنه في إحدى المبارات شرب السيد بدر يوسف البدر - والد المرحوم سعود البدر مختار منطقة الشويخ سابـقا ـ ماءً باردًا مما تسبب في وفاته، فكان بذلك أول شهداء الرياضة الكويتية، كما تسبب الحدث في توقف الشباب عن ممارسة كرة القدم لبعض الوقت ثم عادوا إليها لاحقا.

ومن خلال الإطلاع على الوثائق القديمة التي يحتفظ بها أحد أحفاد العائلة، وهو رجل الأعمال غازي بن فهد بن محمد بن سالم السديراوي، إضافة إلى ما سجله المؤرخ بشار يوسف الحادي في مدونته الالكترونية يمكن القول ان آل سديراوي المقيمين في «بمبي» كانت لهم اتصالات ومراسلات وتجارة مع عدد من وجهاء البحرين من أمثال عبدالعزيز القصيبي، احمد سلمان كيكسو، والحاج أحمد بن عبدالله بن منصور ومحمد بن إبراهيم بن هجرس ومحمد علي الزياني والشيخ مصطفى بن عبداللطيف البستكي. وبطبيعة الحال كان لآل السديراوي أيضا علاقات تجارية وصداقات ومعاملات مع ثلة من تجار الكويت والأحساء والحجاز ودبي والشارقة وبلاد فارس المقيمين في «بمبي»، إضافة إلى ثلة من أشهر الدلالين الخليجيين والهنود والأوروبيين. فمن ضمن التجار: الوجيه الحجازي الأشهر محمد علي زينل، ومحمد المشاري وإبن عمه عبدالعزيز المشاري من أهالي لنجة، وقاسم بن محمد آل إبراهيم وعبدالرحمن بن عبدالعزيز آل إبراهيم وعبداللطيف بن محمد العبدالرزاق وخالد بن خميس وحسين بن عيسى القناعي وإخوانه من تجار الكويت، ويوسف الصايغ من أهالي دبي، وعبدالرحمن المدفع وحميد بن جامل من أهالي الشارقة، ومحمد وعباس ابناء عبدالله عباس ومحمد فاروق محمد عقيل من أهالي بستك في بلاد فارس. ومن ضمن الدلالين أو الوسطاء: عبدعلي محمد العريض وحجي أحمد السلمان وحسن المديفع ومنصور العريض من أهالي البحرين، وعبداللطيف بن نعيم من أهل الأحساء، وخليل بهزاد من أهل لنجه، وتاجر اللؤلؤ الفرنسي اليهودي فيكتور روزنتال وصنوه ألبرت حبيب، والتاجر اليهودي البحريني يعقوب صوفير وإخوانه.

ومما ورد في كتاب «الهداية الخليفية 90 عام من العطاء» أن محمد صالح بن يوسف خنجي المولود في المنامة في عام 1880 والمتوفى في عام 1967 من بعد حياة ثقافية وأدبية وتربوية حافلة سافر إلى «بمبي» بطلب شخصي من محمد سالم السديراوي للعمل هناك كإداري في مؤسسته. وقد انتهز خنجي فرصة تواجده في «بمبي فانضم إلى «النادي العربي» فيها يعلم العربية والعلوم الشرعية، خصوصا وأنه كان من خريجي الأزهر الشريف في عام 1900، وبالتالي كان ضليعًا في آداب اللغة العربية والعديد من المعارف كالترجمة والفلسفة والمنطق والشعرين العربي والفارسي.

وطبقًا للمؤرخ الكويتي سيف مرزوق الشملان فإن «محمد سالم السديراوي» هو أول من زود حاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح في عام 1911 بسيارة اشتراها في الهند وشحنها للشيخ في الكويت مع سائق هندي يدعى»علي بيلا«لأنه لم يكن هناك في الكويت وقتذاك من يجيد السياقة. ويضيف أن السيارة كانت من نوع مانيرفا البلجيكية، وكانت مستعملة، وصغيرة، وذات أربع أبواب، ومكشوفة، لكنها اعيدت بعد عام إلى «بمبي» مع سائقها وشاب كويتي يدعى «علي حسن بوخنفر» الذي صار لاحقًا أول سائق كويتي، وذلك من أجل إصلاحها، حيث كانت كثيرة العطل وتصدر أصواتًا مزعجة، ولما وُجد أن صيانتها صعب، أمر الشيخ مبارك وكيله السديراوي بالتخلص منها بيعا، وارسال سيارة أخرى مع سائق جديد.

من الرسائل التاريخية المحفوظة التي تكشف علاقة الشيخ مبارك الكبير بوكيله في «بمبي» محمد سالم السديراوي رسالة مرسلة إلى الأخير من سليمان السالم البدر القناعي الذي كان يشرف على ممتلكات الشيخ مبارك التجارية والزراعية في البصرة والفاو حول تصريف التمور المصدرة من مزارع النخيل التابعة للشيخ إلى الهند وتحويل اثمانها عن طريق التاجر محمد بن عبدالله القصيبي المقيم في الهند. ومما لا شك فيه أن هذه الرسالة تدل على وجود معاملات تجارية كبيرة بين الكويت والهند منذ بدايات القرن العشرين وتختص تحديدا باستيراد التمور التي كان يوجد إقبال كبير عليها في الهند نظرا لاستخدام الهنود لها في طقوسهم الدينية.

وهناك رسالة اخرى نشرتها جريدة الجريدة الكويتية (28/‏1/‏2011) تحمل ختم محمد سالم السديراوي وتاريخ 27 إبريل 1914 ومرسلة إلى الشيخ مبارك الكبير حول إرسال نفرين (شخصين) من الهند إلى الكويت بناء على طلب الشيخ، أحدهما سائق موتر (سيارة) اسمه «أبوالقاسم فارسي» ومعاشه (راتبه) الشهري 125 روبية، والآخر فني لماكينة الكهرب (الكهرباء) واسمه «جيمس لاشن تن فرينكش» و«معاشه» 100 روبية. ويقول السديراوي في رسالته تلك إنه اتفق مع «النفرين» على الراتب واشترط عليهما الاقامة في الكويت لمدة سنة، وأنهما إذا رغبا في التخلي عن عملهما فلا يحق لهما المغادرة قبل العثور على بديل لهما، وأنهما إذا عزموا على المغادرة بعد فترة تجريبية لمدة شهرين على الاقل كان لهما ذلك. ومن الشروط الأخرى أن إقامة وأكل «النفرين» على الشيخ.

إلى ما سبق من أسماء فإن من بين رجالات عائلة السديراوي الكريمة المرحوم عبدالله جاسم السديراوي الذي انتقل إلى جوار ربه في 26 يونيو 2014 عن عمر ناهز 71 عاما من بعد حياة حافلة في القطاع المالي عاصر خلالها انشاء سوق الكويت للأوراق المالية، بل وتولى منصب نائب مدير بورصة الكويت قبل أن يصبح مديرًا عامًا للبورصة من عام 1979 وحتى عام 2002. والمذكور «أبوجاسم» من خريجي جامعة الاسكندرية القدامى وممّن نشطوا في فرع الاتحاد الوطني لطلبة الكويت في الاسكندرية، وقد عُرف عنه التواضع الجم والأخلاق الرفيعة وكراهية البروز الاعلامي على الرغم من منصبه الرفيع. وهناك ايضا غازي محمد فهد السديراوي الذي يترأس مجلس إدارة شركة الاتحاد لصناعة مواد البناء، وهو معروف بحبه وعشقه للبحرين والبحرينيين ويرتبط بعلاقة صداقة وثيقة بصديقنا الخبير في الفقه الدستوري الاستاذ حسن محمد بن يوسف بوحجي.