هارولد ويلسون رئيس وزراء بريطانيا في السابق واقتصادي خريج جامعة أكسفورد، صاحب نظرة عميقة، حظيت أفكاره بتوافق اقتصادي واجتماعي من منظور الاقتصاديين وجلبت قراراته منافع هائلة لبريطانيا في مسيرة التنمية طويلة الأجل ولا تزال آثارها إلى اليوم، مثل: التجديد الحضري وزيادة أعداد الجامعات والمساكن، وفي الوقت نفسه طور الصحة والتعليم، وهو من قلص ساعات العمل من 56 إلى 40 ساعة أسبوعيا، وأسس ما يعرف بالجامعة المفتوحة، أي تعليم جامعي عن بعد لمن فاته الالتحاق بالجامعة، ورغم ذلك عليه ما عليه من الانتقادات كغيره من السياسيين في التاريخ الاقتصادي.
بعد توليه رئاسة الوزراء في فترته الأولى من 1964 إلى 1970، ورث عجزا ضخما في ميزان تجارة بلاده الخارجية يقدر بـ800 مليون جنية استرليني من الحكومة السابقة، أي قبل 1964 والجنيه في حينها عانى ضغوطا واسعة، والرأي الاقتصادي السائد في فترته سعى إلى خفض قيمة العملة لمعالجة التضخم، استمرت حالة الخوف من الركود الاقتصادي واضطرب الاسترليني أكثر بعد الأزمات الجيوسياسية في تلك الفترة، دفع بالحكومة في نهاية المطاف إلى خفض سعر صرف الاسترليني ولم يكن خفض سعر الصرف كافيا، بل كان لا بد من سياسات تقشفية مصاحبة وتوجيه الموارد الداخلية إلى التصدير وتقييد الموارد المحلية من أجل المصدرين والتجارة الخارجية، وسرعان ما تحسن الاقتصاد.
حكومة ويلسون لم تكتف بإجراءات اقتصادية تقليدية لمعالجة هبوط الصادرات، بل إن ويلسون أدخل فكرة جديدة، بعد أن أصبح رئيسا للوزراء بعام واحد واقترح على الملكة جائزة صناعية للمصدرين يكرم فيها أبزر المصدرين على المستوى الوطني بهدف رفع معدلات تصدير المنتجات البريطانية آنذاك، ومنذ إطلاقها 1965 حتى اليوم لا تزال التقارير تشير إلى أنها جائزة صالحة وفعالة وتعرف اليوم بـ"جائزة الملكة للأعمال" طرأ عليها تحديثات إضافية، إلا أنها مستمرة في منح الجوائز للشركات البريطانية التي تحقق إنجازات بارزة في التجارة الدولية وابتكار المنتجات والتنمية المستدامة.
خلاصة القول: يعزى نجاح ويلسون في إقناع الملكة بالجائزة إلى أن ظروف البلاد الاقتصادية وضعف النمو والحاجة إلى مزيد من الصادرات كان يستلزم استخدامه خيارات اقتصادية تقليدية معروفة وحلول أخرى تحفيزية غير نمطية لتعزيز النمو وزيادة نسبة التجارة الخارجية وبأي طريقة، بما في ذلك اللجوء إلى مفاهيم الإثارة والتحدي، الفكر الاقتصادي لويلسون لا يزال ظاهرا في فروع الجائزة حتى بعد تطويرها، ولا يزال تركيزها بالدرجة الأولى على التجارة الدولية التي تجلب النقد الأجنبي، وتعد من أرفع الجوائز التي تقدم للأعمال حتى الآن.
أعتقد أن إطلاق جائزة سعودية رفيعة المستوى للمصدرين السعوديين وشركاتنا الوطنية المبتكرة لمنتجات جديدة، ينسجم مع حاجتنا إلى زيادة صادرات تجارتنا الدولية للقطاع الخاص وإلى جانب ذلك الاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا اقتصاديا تتيح حوافز إضافية لإنجاح اقتصادنا الوطني.