خسارة حزب الله اللبناني وحلفائه لأغلبيتهم البرلمانية شكّل صدمةً لطهران التي اطمأنت كما قالت التقارير لتنظيمات حسن نصر الله وكبار قادة حزبه للراعي الإيراني بأنهم «حزب الله وحلفاؤه» سيحتفظون للأغلبية النيابية التي كانت لهم طوال السنوات الماضية.

وبعقلية تاجر البازار احتوت طهران ردّات فعلها عن أن تصل إلى وسائل الإعلام لكنها لم تستطع أن تحتوي تلك العقلية البازارية ردات فعلها على انتفاضة الشوارع الإيرانية خصوصًا وأن شارع طهران العاصمة خرج منتفضًا، فكان القمع الوحشي والمنع الديكتاتوري له بالمرصاد حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة ويصعب اعادتها إلى دائرة الضبط.

هاتان الانتفاضتان «نتائج الانتخابات اللبنانية» واحتجاجات الشارع الإيراني في أكثر من مدينة ومحافظة ومنطقة تعكسان أولى ظواهر استعادة الوعي المختطف والقدرة على الإعلان الصريح عن حالات استياءٍ وتذمر وفقدان الأمل في المشروع السلطوي الإيراني الذي قدم من الوعود ما لم يستطع معه الإيفاء بجزء صغيرٍ منها، بل على لعكس كلما مضت السنوات على المشروع الإيراني ووعوده كلما تراجعت الأوضاع إلى الأسوأ، في لبنان وفي إيران في المحيط القريب «العراق».

فاختناقات المستوى المعيشي للمواطن الإيراني على كل الصعد وفي مختلف الطبقات بما فيهم الطبقة النخبوية «الأطباء والتكنوقراط» دفع بالشوارع الإيرانية إلى أكثر من انتفاضة احتجاجٍ علني استمرت لأيامٍ وأيام رغم القمع الوحشي الذي جُوبهت به، بل تجرأت العديد من الشوارع الإيرانية نفسها إلى إحراق مقرات للباسيج وحوزات رسمية حكومية ومقار بوليسية بما يؤشر إلى نقلةٍ نوعية في الانتفاضات تصاعد في حدتها وممارستها.

صحيح أن الإعلام في عمومه والغربي بخصوصه تجاهل هذه الانتفاضات في الشوارع الإيرانية ولم تتم تغطيتها بما يستحق حجمها وزخمها واندفاعاتها، وصحيح أن أخبار وتغطيات الحرب الروسية الأوكرانية شغلت وسائل الإعلام أو بالأدق تشاغلت بها وسائل الإعلام الغربية حتى لا تُلقي قم بنفسها في أحضان الدرب الروسي لكن حاصل جمع هذه الانتفاضات في الشارع اللبناني والشارع الإيراني ضد مشروع حكومة طهران ينبئ إلى أن ثمة تحولاتٍ كبيرة ومهمة قادمة لتخيم على فضاء المشروع الإيراني بكثافة غير مسبوقة منذ أن أعلن عن نفسه في سلسلة وعودٍ إثر وعود تبخرت فاصطدمت بواقع صعبٍ مؤسسٍ وشاق.

وما شكلته نتائج انتخابات لبنان من تراجع حظوظ حزب الله اللبناني ليس سهل الهضم بل هو عسير الهضم على طهران وعلى صاحب الضاحية باعتبار أن حزب الله اللبناني هو الذراع الأقوى للنظام الإيراني وهو الوكيل الرسمي المعتمد من سلطة قم في المنطقة فجاءته الضربة هذه المرة داخل «عرينه» لبنان بما أفقد الحسابات حساباتها.

وبمعزلٍ عن المسارات اللبنانية القادمة في تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية وانعكاسات كل ذلك، فان نتائج الانتخابات بما حملت من تراجع موقع حزب الله اللبناني مؤشر مؤكد لا يقبل الجدل على الانتفاضة اللبنانية ضد النفوذ الإيراني تمامًا كما هي انتفاضات الشوارع الإيرانية ضد المشروع الإيراني.