افتُتح في العاصمة الإماراتية أبوظبي، الاثنين الماضي، معرضُ أبوظبي الدولي للكتاب (23- 29 مايو)، والذي شارك فيه هذا العام عدد كبير من شركات ومؤسسات ودور النشر والتوزيع والهيئات الأدبية والثقافية والإبداعية المتنوعة، العربية والأجنبية، وكثير من المساهمين في صناعة الأدب والثقافة والإعلام والصحافة، فضلاً عن الجناح الأكبر للفنانين التشكيليين بكل مدارسهم الفنية المتنوعة، بما فيها الرسم والخط والزخرفة والفن التشكيلي والبورتريه والرسم الكاريكاتيري والبصري والتصوير الرقمي والضوئي والتقليدي، علاوة على الحرف اليدوية ذات الصلة بالرسم والإبداع الفني الحديث والكلاسيكي.
لقد زرتُ معظم معارض الكتب الخليجية والعربية، وترددت على كل منها أكثر من مرة، لكن لأول مرة أشاهد جناحاً كبيراً مخصصاً للفن التشكيلي بمفرده، بهذا الحجم وهذا الكم من التنوع في عدد الفنون وعدد المشاركين من الدول الخليجية والعربية والأجنبية. وهذا بحد ذاته إنجاز بالغ الأهمية كونه يحتفي بالفن التشكيلي بمختلف أصنافه وعلى اختلاف مدارسه، لكي يندمج الفن التشكيلي والبصري مع الكتاب، ويشكلا روحاً واحدة في جسدين مختلفين في الظاهر فقط، حيث لا يخلو كتاب من رسم على غلافه، كما يندر أن توجد رواية أو بحث أو مطبوعة ثقافية إلا ويكون الرسم مساهماً في إكمال فكرتها وتعضيد رسالتها ضمن محتوى ثقافي وأدبي وفكري وفني واحد.
وحسناً فعلت إدارة تنظيم معرض أبوظبي الدولي للكتاب والقائمين عليه في دورته المتميزة لهذا العام، حضوراً ومشاركةً وتنوعاً، إذ يمثل المعرض ونشاطاته المصاحبة لفتةً ذكيةً من جانب العاصمة أبوظبي لدعم الإبداع والمبدعين وحتى الهواة، من خلال افتتاح واستضافة هذا المعرض الكبير والنوعي. وقد أُقيمت هذه التظاهرة الثقافية والأدبية والفنية بشكل لائق ومتميز وتنظيم في غاية الروعة، وقد زادها رونقاً وإشعاعاً الاحتفال بتكريم الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب في مسرح متحف اللوفر العالمي بأبوظبي، وهو احتفال أدهش المكرَّمين والمدعوِّين والزائرين لهذه المناسبة، حيث انبهر الجميع بهذه التحفة الفنية والصرح المذهل الأخّاذ الذي بُني من أوراق سعف النخيل وصُمم بحرفية متناهية على نحو مذهل يسرُّ الناظرين. إنه حكاية أخرى تضاف لأنوار الحضارة والإبداع المضيئة في العاصمة الإماراتية، التي تشهد تطوراً سريعاً وملهماً في جميع المجالات الاقتصادية والعمرانية والعلمية والصناعية والاجتماعية، وقد أخذت على عاتقها أهمية المعرفة والأدوات المتعددة في مسار تنوع إنتاج الثقافة والوعي والإبداع، لترسيخ مضمون عصري جديد وتعزيز الدعم للثقافة والأدب والفن، وبذلك أصبحت محط أنظار المثقفين والكتاب والمبدعين، حيث يجدون الدعم والتكريم في دار زايد الخير التي أصبحت منارةَ إشعاع ومصدر إلهام في مجالات الفكر والثقافة والمعرفة والنشر والتوزيع.. لتعزيز جودة العمل الثقافي والأدبي والفني بشكل متواصل ودائم وشامل.
وتأتي مكرمة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بهذه المناسبة لشراء كتب من المعرض بقيمة تصل ستة ملايين درهم، كدليل آخر على دعم أبوظبي للثقافة والأدب والإبداع، وحرصها على مد الجسور بين الأمم والشعوب في هذه المرحلة الحساسة بالنسبة للكتاب الورقي، الذي بدأ يعاني من عزوف القارئ بسبب الثورة التكنولوجية الرقمية الحديثة!