مدح الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصر الله مواقف المسؤولين اللبنانيين ولا سيما الرؤساء الثلاثة، لأنهم اعتبروا ما يجري عملاً عدائياً واستفزازياً.

هذا هو المطلوب لمواجهة وصول الباخرة اليونانية، التي تمركزت على مقربة من حقل كاريش الواقع على الخط 29، لاستخراج الغاز وإنتاجه وبيعه.

بالتأكيد كرر نصر الله أن «كل خيارات المقاومة مطروحة على الطاولة»، لكنه لم يشر من قريب أو بعيد إلى أن أحد الرؤساء الثلاثة الذين مدحهم، هو من حدد الخط 23 للحدود البحرية، والثاني أعلن البدء بالمفاوضات غير المباشرة على هذا الأساس، والثالث رمى المرسوم 6433 في الدرج وتجاهل ضرورة تصحيح الخلل والمطالبة بتحديد الخط 29 ليبدأ التفاوض منه.

ما لم يقله نصر الله هو أن من يمدحهم ويقرئونه السلام، ليسوا أصحاب القرار. وهو أيضاً ليس صاحبه. فاللعبة أكبر من لبنان، والضغط لمقايضة الانهيار التام لقطاع الطاقة بالعودة إلى طاولة المفاوضات الذي يلوح به الاميركيون والإسرائيليون ليس فقط أمام المسؤولين اللبنانيين المرتبكين، ولكن أمام إيران المصادرة للسيادة اللبنانية، وإلا لما تزامنت التطورات الراهنة مع تبني وكالة الطاقة الذرية قراراً أميركياً ينتقد عدم امتثال إيران للالتزامات والضمانات الخاصة بها بشأن تخصيب اليورانيوم.

بالتالي، فإن إيران لن تقف متفرجة على ما يجري، ولن تضيع الوقت، ولن تتهاون وتترك الساحة خالية ليلعب فيها من يفاوضها على ملفها النووي، ويسلبها ورقتها اللبنانية. فقد سارع وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان الأربعاء، إلى الكشف عن إرسال بلاده «رزمة سياسية مبتكرة جديدة» إلى الطرف الأميركي بشأن حل القضايا العالقة في مفاوضات فيينا المتوقفة منذ نحو ثلاثة أشهر.

وقال عبد اللهيان: «أبلغنا الطرف الآخر بصراحة بأنه بإمكانكم أن تختاروا أحد المسارين لكننا نفضل المسار الدبلوماسي والسياسي».

أما المسار غير الدبلوماسي وغير السياسي، فهذا ما على لبنان ترقبه والتوجس منه وسط التجاذبات السريعة والساخنة، ما يحدد أن «كل خيارات المقاومة المطروحة على الطاولة»، تعني الخيارات المرتبطة بحاجة إيران فقط، وحدها دون سواها.

أما حاجات لبنان، فتلبيتها ليست أولوية، ولا لزوم لها إلا للاستهلاك المحلي، كنوع من برامج الترفيه والمنوعات، سواء تعلق الأمر بتشكيل حكومة أو بانتخاب رئيس جمهورية.

وعلى اللبنانيين أن يكظموا غيظهم ويرضوا بمن ابتلاهم الله بهم ليسوسوا حياتهم. بعبارة أدق، على نسبة وازنة من اللبنانيين ابتلت نفسها وابتلتنا بمن عاد يتحكم بنا، ولو بالنصف زائداً واحداً من كاذبين يتذاكون علينا ويزايدون على قهرنا، وهم يدعون القدرة على استرجاع حقوقنا المنهوبة من أعداء يستخفون بهم وبتهديداتهم، لأنهم يعرفون حقيقة أحجامهم ويتعاملون معهم على هذا الأساس.

لذا من المنتظر أن نشهد فصولاً متلاحقة من الشعبويات التي لا تساهم إلا بتفاقم الإرباك بانتظار وضوح الرؤية لدى القوى الإقليمية والدولية التي تلعب بالورقة اللبنانية وتستخدم حقل «كاريش» لتكريس أزمة مجهول أفقها...

وليس مهماً مَن مع مَن ومَن ضد مَن. وسيبقى موسم المديح موصولاً بالسلام، ما دام التصعيد العسكري ليس خياراً ما لم تنفذ محاولات إنضاج الصفقات التي تتجاوز لبنان، بما يوافق مصالح هذه القوى ومتطلباتها...