“زوال إسرائيل” عبارة تكررت وتتكرر على ألسنة جنرالات الحرس الثوري الإيراني. ولكنّ صاروخا إيرانيا واحدا لم يُطلق في اتجاه فلسطين المحتلة. تلك حقيقة لا يعترف بها الطرفان، الإيراني والإسرائيلي. فعلى على الإيقاع نفسه تأتي ردود الأفعال الإسرائيلية كما لو أن الأوهام هي المعادل الواقعي للحقيقة. فالإسرائيليون يهبون الإيرانيين مصداقية يحلمون بها، وهم يعرفون جيدا أن زوال إسرائيل ليس هدفا إيرانيا وهو لا يمثل جزءا من مشروعهم التوسعي في المنطقة. العكس هو الصحيح تماما. ذلك لأن إيران تبحث في حقيقة ما تخطط له عن تفاهمات مع إسرائيل من أجل أن يتم كل شيء برضاها.

إيران في حاجة إلى رضا إسرائيل. من غير ذلك الرضا فإنها تبقى في شك من أمرها. غير أن هناك ما يطمئن الحرس الثوري من خارج إيران. فلا يمكن أن يلوم أحد إيران إذا ما رغبت حركة حماس في تدمير غزة من خلال حرب غير متكافئة مع إسرائيل. “لقد أطلقت إيران المئات من الصواريخ على إسرائيل من غزة” هذا ما قاله أحد جنرالات الحرس الثوري. الصواريخ إيرانية ولكن غزة هي الموقع الذي تنطلق منه وهي الموقع الذي يجب أن يُضرب لأنها تمثل خطرا على إسرائيل. أكان على إسرائيل أن توجه ضرباتها إلى إيران بدلا من غزة؟ تعرف حماس أن إسرائيل لن ترتكب حماقة من ذلك النوع. كان الواجب أن تتم التضحية بغزة بدلا من أيّ جزء من إيران.

في الحرب الأخيرة وجّه إسماعيل هنية من الدوحة رسالة شكر إلى خامنئي فيما كانت غزة تتعرض إلى دمار شامل. وصار معروفا أن إيران لا تساهم في إعمار غزة

غزة انفصلت عن فلسطين ولم تعد فلسطين فيها قضية انطلاقا من مبادئ حركة حماس التي ليس لها علاقة بالنضال الوطني الفلسطيني إذ هي جزء من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي يكتفي بغزة واحدة من ولاياته. وهو ما يعني أن حركة حماس تقاتل دفاعا عن قضيتها وهي ليست القضية الفلسطينية، بل هي القضية التي تمتزج بها السياسة الإيرانية، كونها الرصيد الحي للأفكار الإخوانية. لا يهمّ هنا الاختلاف المذهبي. فالسياسة توحّد المذاهب المتطرفة. وليست غزة هنا سوى وسيلة تبرّرها الغاية. تعرف إسرائيل أن إيران تطلق عليها الصواريخ من قطاع غزة غير أنها تتحاشى حربا مباشرة ما دامت تحقق هدفها في تدمير غزة. وغزة في الحقيقة ليست هدفا إسرائيليا إلا إذا اعتبرت ذلك الهدف مناسبة لتلقين إيران درسا.

في مقابل زوال إسرائيل وهو شعار مخادع عملت إيران على زوال العراق واليمن في انتظار زوال سوريا ولبنان. تلك معادلة تبدو بالنسبة إلى الكثيرين غير مفهومة. قادة حماس الذين يقاتلون عن بعد يعرفون جيدا أن إيران إنما تمارس نوعا من اللعب الساخر بعقول البسطاء من العرب وهو ما يخدم مشروعهم الإخواني في غزة. ذلك لأن حركة حماس كانت لها دائما توقيتات للحرب والسلام لها علاقة بذلك اللعب أو التهريج الإيراني وما من مرة دخلت حماس حربا إلا وكان ذلك استجابة لحاجة إيرانية لا علاقة لها بالصراع العربي ــ الصهيوني. كما لو أن حماس قد اعتبرت غزة أرضا ملحقة بإيران. وهذا ما تتصرف إسرائيل على أساسه. كل الحروب التي شهدتها غزة هي عبارة عن رسائل متبادلة بين إسرائيل وإيران.

في الحرب الأخيرة وجّه إسماعيل هنية من الدوحة رسالة شكر إلى خامنئي فيما كانت غزة تتعرض مرة أخرى إلى دمار شامل. وصار معروفا أن إيران لا تساهم في إعمار غزة. فهي غير معنية إلا بالسلاح. أما أيّ جانب إنساني فإنه من اختصاص دول عربية تجد نفسها في حرج وهي ترى غزة وقد تحولت إلى حالة إنسانية بالنسبة إلى المجتمع الدولي. وبهذا تكتمل دائرة المتاهة التي صارت غزة عاصمتها. إيران وإسرائيل تهدمان ما تبقى من غزة فيما تقوم دول عربية بإعادة أعمار ما هدمته الحرب في انتظار حرب جديدة.

كلما تحدث أحد جنرالات الحرب في إيران صار على أهل غزة أن يضعوا أيديهم على قلوبهم. فهناك عاصفة في طريقها إليهم. ذلك قدر لن يتمكن أحد من منع وقوعه. وفي كل مرة تشعر فيها إيران بالضيق تستعد إسرائيل لجولة جديدة في غزة. وليس من حل لتلك المأساة التي تنطوي على الكثير من الاستهتار بالقيم الإنسانية إلا أن تجري الدول العربية نوعا من التفاهمات المباشرة وغير المباشرة مع إسرائيل للحد من استمرار تلك الجريمة المفضوحة. لا يُعقل أن تستمر غزة أرضا محروقة.