هذه الأيام ليست كسائر الأيام، وهذا التاريخ ليس ككل التواريخ، نحتفل الآن بمرور 9 أعوام على ثورة 30 يونيو العظيمة.. الثورة التي استعادت الهوية الوطنية، عن هذه المناسبة، حكى لي صديق دبلوماسي عن حوار دار بينه، وبين ابنه البالغ من العمر 9 سنوات، حول ثورة 30 يونيو، الابن سأل أباه الدبلوماسي: (يعني إيه ثورة 30 يونيو)؟.

لم يجد الصديق حسب قوله، لي إجابة وافية وجامعة تعبر عن حجم الحدث، وفي نفس الوقت يستوعبها ابنه الطفل.

نعم الموقف صعب، فليس سهلاً أن تشرح تفاصيل حدث كبير بهذا الحجم، لمواليد الثورة نفسها، فالتعقيدات كبرى والتفاصيل شائكة، والطفل في هذا العمر لم يعايش هذا الحدث، سوى عبر الدراما والدردشة التي يسمعها، لكنني قلت له سعادة السفير، الأيام كفيلة بإدراك هذا الجيل لمعنى وقيمة الثورة، التي أنقذت مستقبل ابنك وجيله ممن عبروا من براثن الظلام.

قطعاً سيأتي اليوم الذي يعرفون فيه جيداً معنى هذه الثورة، التي حررت عقولهم وأيامهم من سواد حالك، وأضاءت لهم الطريق أمام دولة وطنية حديثة، حافظت على هويتهم، وفكت قيود الأفكار والتنوير، واستعادت الهوية، ليس لهم وحدهم، بل لكل أجيالهم في العالم العربي، فهذا الجيل سيعرف يوماً ما، أن 30 يونيو ليس تاريخاً عادياً، وأنها ثورة صاغت نظاماً عربياً جديداً، بتوقيع الوطنية، وأن آباءهم وأجدادهم خرجوا إلى الشوارع لعزل جماعة إرهابية، حاولت اختطاف الدولة المصرية، وتستعد لاختطاف محيطها العربي.

جماعة كانت ستحرمهم من الضرورات الحياتية، التي تصوغ وجدانهم وأفكارهم، كانت ستحرمهم من الفن والثقافة والانفتاح والحرية والغناء والموسيقى.

جماعة كانت ستفرض عليهم قوانين السمع والطاعة دون إعمال العقل، جماعة كانت ستحول هذا الجيل إلى قطيع يتلقى أوامره من مكتب إرشاد، كان يخطط لفتح فروع له في مختلف العواصم العربية.

واصلت مع صديقي:«ابنك وأقرانه من هذا الجيل، باتوا الآن في أمن وأمان فكري وواقعي، أيامهم وحدها هي التي منحتهم شرف عدم الميلاد في عام السواد من حكم الجماعة الإرهابية، بل إنهم سيفخرون بأنهم من مواليد هذه الثورة العظيمة، سيدركون يوماً ما، أن التاريخ احتفظ بحقهم في الحياة تحت سقف أوطان مستقلة، وأمة دفعت الكثير والكثير، من أجل تحريرهم من قبضة الإرهاب، والأفكار الظلامية، وحافظت على خرائط مستقبلهم الآمنة».

واصلت حديثي مع صديقي الدبلوماسي:«لا تقلق على هذا الجيل، فهذا الجيل وحده، هو الذي سيجني الثمار الأعظم لهذه الثورة، وهذا الجيل سيقرأ تاريخاً مغايراً عما قرأه الآباء والأجداد، وأن شمس هذا الجيل، ستواصل إشراقها بين الأمم، وأنه سيتباهى يوماً ما، بأن الآباء، آمنوا بالوطنية، فخرجوا إلى الشوارع، عازمين على عدم العودة دون عزل هذه الجماعة الإرهابية، من السيطرة والاستحواذ على مفاصل مستقبلهم».

هذا الجيل سيلتقي يوماً ما بأنداده في مختلف بلدان العالم العربي، وسيتبادل أبناؤه أطراف الحكايات، حول هذا النصر المبين، وسيدركون أن هذه الثورة خلقت لغة وقاموساً جديدين، للقدرة الوطنية بين الشعوب العربية، لحمايتها من الاختطاف أو التمزيق، وأن التاريخ اختص هذا الجيل بثمار هذه الثورة الخالدة، التي وحدت الشعوب العربية، كأمة واحدة، وأنها تشابهت في كل شيء، فخرجت إلى الشوارع ضد هذه الجماعات الإرهابية، تحت عناوين واحدة في جميع العواصم العربية، وأن هذا الجيل سيظل يحتفظ ويصون قيمة وقامة من أداروا بلاده، بعد ميلاده كحراس على مستقبله، الذي كاد أن يتغير، لولا أن قيض الله «رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه»، فجاءت النتيجة مواكبة ومناسبة لوطن، أكثر أماناً وقوة، ومناعة، وثباتاً، ورسوخاً.

لم يقاطعني صديقي الدبلوماسي، طوال استرسالي حول مستقبل هذا الجيل، ومن بينهم ابنه البالغ من العمر 9 سنوات، لكنه فقط أنهى حديثه معي قائلاً:«معك كل الحق فيما ذكرته، حول إنقاذ مستقبل هذا الجيل، لكنني أؤكد لك أن الثورة، لم تنقذ فقط جيل 30 يونيو، بل إنها أنقذت خرائط، وأوطاناً كاملة، واستعادت روح الوجود لهذه الأمة العربية، فلو تأخرت هذه الثورة قليلاً، لكانت المسارات غير المسارات.