في التقدير العام لا توجد مشكلة في توفير تمويل خليجي فوري لمصر لحل جزء مهم من مشاكلها الآنية والمتصاعدة لكن فكرة الدعم الخليجي المفتوح انتهت أو في طريقها إلى الزوال.

في الوقت الذي تحاول فيه روسيا إغلاق معبر باب الهوى الذي يسمح بتدفق المساعدات الأممية إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، تنشر صحيفة الوطن الموالية والصادرة في دمشق تصريحات لمفتي موسكو إيلدار علاء الدينوف قال فيها إن صندوق الزكاة الخيري في روسيا الاتحادية ” اتجه للعمل في سوريا عبر تقديم المساعدة للمساهمة في إعادة الإعمار، وبما يسهم في عودة اللاجئين”.

وبدت تصريحات المفتي الروسي ضمن سياق المساعي الروسية للقبض على ملف عودة اللاجئين وجعله جزءاً من عملية إعادة الإعمار لا من أساسيات العملية السياسية التي يفترض أن تستبق بعودة المهجّرين وإخراج المعتقلين وسوى ذلك من القضايا التي اعتبرت “فوق تفاوضية”.

وبانعكاس للمستوى الذي وصلته السيادة السورية في ظل منح رئيس النظام السوري بشار الأسد الروس والإيرانيين صلاحيات كاملة لإدارة البلاد، يصعب على السوريين هضم كلام المفتي الروسي الذي جعل من حقوق الشعب السوري بالعودة والعيش والتعلم والعمل في بلادهم نوعاً من “الصدقة الجارية” التي يقدّمها الروس كما ورد بالحرف على لسان علاء الدينوف الذي أشار إلى أن المسؤولين في صندوق الزكاة في روسيا الاتحادية يقومون بتقديم المساعدات والمساهمة في إعادة الإعمار في سوريا، موضحاً أن المشاريع التي يقومون بها تأتي “وفق مبدأ خطوة خطوة وصدقة جارية”، وأن ما يتم تقديمه من مشاريع خدمية يساهم في عودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم ومنازلهم.

وحديث الروس عن خطوة خطوة لا ينفصل عن منهجية المبعوث الدولي غير بيدرسن التي سمّاها قبلهم “خطوة خطوة”، بينما تحتشد طوابير السوريين الطويلة على أبواب دوائر الهجرة في المدن السورية سعياً للحصول على جوازات سفر وموافقات تسهّل لهم مغادرة البلاد.

نزيف الشباب السوري بات أكثر بياناً من أن يوصف، والذين لا تستقبلهم الدول عن طريق عقود العمل التي أعيد العمل ببعضها في بعض البلدان في ما يتعلق بحملة الجنسية السورية، بعد حظر دام سنوات، يكسرون ذلك الحظر باتباع طريق المهرّبين والهجرة غير الشرعية بعد بيع بيوتهم وممتلكاتهم وأثاثهم ودفع المبلغ للمهرّب والذي وصل إلى 20 ألف دولار للفرد.

لا تسأل عن مصير تلك الممتلكات التي يبيعها السوريون قبل هجرتهم، فالمشتري الإيراني جاهز، والحرس الثوري يمهّد له البيئة بمشاريع التشييع المتواصلة على قدم وساق التي غطّت الخارطة السورية جنوباً وشرقاً وغرباً.

ما الذي يجري في سوريا؟ دولة عربية تعاونت عليها الضحالة السياسية للسلطة الحاكمة فيها، ولمعارضيها في الوقت ذاته، وأطبق عليها انعدام الحس بالمسؤولية التاريخية حتى حدود الانهيار حيال الدولة والمواطنين سواء أكانوا مستقرين في سوريا أم لاجئين فارين عنها، ووصل إلى حدّ أن هدّد رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، قبل أيام، بترحيلهم بالقوة في حال لم يعودوا إلى بلادهم ولم يتعاون المجتمع الدولي في ذلك. ولا تُعرف الكيفية التي سيطبّق فيها ميقاتي تهديداته تلك وهو حليف للعرب والأوروبيين والأميركان في الواجهة، شريك تجاري سابق للأسد وأسرته في الخلفية.

روسيا التي تجادل في ملف اللاجئين السوريين والتي تتسبّب هذه الأيام بأزمة لاجئين جدد بعد غزوها لأوكرانيا، تسجّل أرقام الأمم المتحدة أنها تحتل الترتيب التاسع بين بلدان العالم في تصدير اللاجئين الروس الفارين من قبضة الرئيس فلاديمير بوتين حيث تجاوز عدد اللاجئين الروس 150 ألف لاجئ فقط في دول الاتحاد الأوروبي، من دون أن تتوقف موسكو عند معاناتهم أو تفكّر في برنامج “صدقة جارية” لإعادتهم إلى بلادهم الأمّ روسيا.

أما عدد اللاجئين السوريين في روسيا ذاتها فهو حسب قسم المعطيات الإحصائية في الأمم المتحدة 26 لاجئاً فقط تحت رعاية مفوضية اللاجئين.

غير أن هذا الرقم الصادم لم يمنع روسيا من عقد مؤتمر مخصص للاجئين السوريين في قصر “المؤتمرات” على طريق مطار دمشق، لمدة أربعة أيام، وأشار موقع “روسيا اليوم” منتصف شهر يونيو الجاري، إلى أن الاجتماعات بين الهيئتين الوزاريتين التنسيقيتين الروسية والسورية سوف تشمل “عمليات إنسانية وتوقيع اتفاقيات تعاون تشمل مختلف المحافظات السورية ضمن قطاعات الإعلام والإسكان والأشغال العامة والإدارة المحلية والبيئة والكهرباء والتعليم العالي والزراعة والإصلاح الزراعي والصناعة والصحة، وتوزيع مساعدات وكتب مدرسية في عدد من المحافظات”.

وقد تمخّض المؤتمر عن الإعلان عن توقيع اتفاقيات بين جامعتي “دمشق” و”البعث” والجامعات الروسية مثل معهد “تاريخ الثقافة المادية” الذي يتبع الأكاديمية الروسية للعلوم، إضافة إلى جامعة “سانت بطرسبورغ”، بغرض ما أسمته وكالة الأنباء السورية “تعزيز التعاون في مجال حماية التراث الثقافي ولاسيما الأثري في البلدين، وإقامة اتصالات بين علماء الآثار والباحثين والمرممين وعمال المتاحف لتوسيع وتقوية الروابط العلمية والثقافية”.

وما تحاول روسيا والنظام السوري قوله إن هذه الاتفاقيات المنبثقة عن المؤتمر ستمهّد الطريق لعودة اللاجئين.

الكثير مما تحاول روسيا فعله من خلال هذا البرنامج الموسّع، إلا أنه أبعد ما يكون عن ملف اللاجئين، ولا يمكن فهمه إلا في سياق التنافس الروسي – الإيراني على الهيمنة على المؤسسات السورية.

وهذا ما يفسّر أن فعاليات المؤتمر شهدت لقاءات بين مسؤولين عن وزارتي العدل الروسية والسورية، لا لمناقشة الأحكام الجائرة بحق المدنيين، بل لإبرام اتفاقيات لتسليم المطلوبين بين البلدين، وتزويد المؤسسات الجنائية السورية بالتكنولوجيا الروسية.

إدارة مصرف سوريا المركزي ووحدات الاستخبارات المالية وتطوير التعاون الروسي السوري في مجال مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، كل تلك العناوين لا تغفل عينٌ درجة ارتباطها بمأساة اللاجئين السوريين في المخيمات بدول الجوار أو في بلاد اللجوء.

عقدت روسيا ثلاث نسخ سابقة عن هذا المؤتمر، والحالية هي الرابعة، تم تنظيمها بكثافة خلال عام ونصف العام بدءاً من خريف العام 2020. وهي تريد اليوم الإبقاء على خطوط اتصالها مع المجتمع الدولي من خلال ملف اللاجئين السوريين بعد جدار العقوبات الكبير الذي عزلها عن العالم خلال الشهور الماضية، فتحاول تعزيز الخطوات التي اتخذتها في مناطق أخرى من الخارطة، إضافة إلى تثبيت نهجها الثقافي الإمبراطوري سواء في تنشيط التجارة مع شبه جزيرة القرم الأوكرانية التي ضمّتها والتي لا يعترف العالم بتبعيتها لروسيا، أو من خلال زيادة التركيز على تعليم الأطفال السوريين اللغة الروسية في المدارس الرسمية السورية. وقد يسأل سائل وسط كل هذه المعطيات الثرية التي تقدّمها روسيا لحلحلة ملف اللاجئين السوريين والذين يعيشون تحت حكم الأسد ظروفاً أسوأ من ظروف اللاجئين في المخيمات؛ لماذا يهرب السوريون من “جنة” موسكو ودمشق إذن؟