يُعرف عنك أيها الزعيم اللبناني أنك شاطر حربوق. تعرف كيف تُدًور الزوايا، وتلعب بمشاعر الجماهير وتسحرهم، وتجعلهم يصوًتون لك ولمن تحت جناحيك. تعود إلى السلطة وقد ضمنت كرسًيها لنفسك، ولمن سيشغلها من بعدك، ابنا كان أو صهراُ، برغم أن اللبنانيين والعرب، وشعوب الأرض قاطبة صاروا على علم بفسادك. لكن على رِسلك أيها الزعيم "الذي لا يفري فريًه أحد"، كما تقول العرب في اللغة القديمة. تمهًل ولا تغتر، ولا تدع الغرور يأخذك إلى حد أن تظن نفسك من الحكام النادرين في تاريخ البلاد وتاريخ البشرية، أو من الآلهة أو أنصاف الآلهة، لأني سأسمعك كلاماً لا أظن أحدا قاله لك من قبل. أقوله لك و"أمري إلى الله" كما يقول المؤمنون. لن أخشاك ولن أخشى "أزلامك ومحاسيبك". هؤلاء ألفظهم، ويأتي يوم وتلفظهم الأقدار، كما تلفظ أنت نواة زيتونة تأكلها. أشفق عليهم لأنهم معتلون، ضحايا مرضك النفسي المتحكم بك وبهم، لأن الزعيم المعتًل، يتبعه دائماً أتباع معتلًون! قد تحسب نفسك من طينة نادرة، وأنك قد خلقت من نار وغيرك خلق من تراب، لكن إلى هذا التراب سيأتي يوم وتذهب، عندها سوف يُكتب فيك ما يليق بك من كلام، ويكون مغايراً لما تسمعه هذه الأيام من أنصارك واتباعك، ومن الذين صوتوا لك وأعادوك إلى كرسي الحكم، الجاهزين دوما وأبداً، لأن يهللوا لك، ويطلقوا الرصاص فرحاً بفوزك.

أخالك تعرف السر وراء هذه التًبعية، وهذا الجنون الذي يدفع انصارك إلى أن يخلعوا عليك وشاح الحكم، خصوصا في الأوقات الحرجة. "الأوقات الحرجة" هذه، آلية تصنعها أنت، وتثير بها العصبيات والفتن والأحقاد والضغائن، لتضمن بها حكمك، وسلطتك الجائرة على البلاد والعباد. قد تكون تصريحاً شعبوياً، أو دعوة إلى تظاهرة عمياء، أو حراكاً مسلحاً، أو تهديداً بحرب أهلية، وفي جعبتك الكثير منها، تلجأ إليها كلما وجدت أن عرشك على وشك ان يهتز، وأسهم شعبيتك على وشك أن تتراجع، كما تتراجع أسهم الشركات المدرجة على البورصات. هكذا الوطن بالنسبة إليك، أشبه بشركة مساهمة، ترأس مجلس إدارتها، وتملك الحصة الغالبة فيها، وما تبقى من حصص، يملكها المقربون منك، "الأولى بالمعروف" منهم، ومصالح هؤلاء تقتضي أن تكون أنت صاحب الحصة الغالبة، ليكون الشكر لك أولاً، ثم لله من بعدك، لأنه بالشكر وحده تدوم النعم! أما الذين لا يملكون شيئاً في "شركة الوطن" هذه، الغالبية من الفقراء والمساكين والمعوزين والمحرومين، الذين لا يجدون العمل، ولا الدواء ولا الرغيف، فلهم "صكوك " الجنة التي تجري من تحتها الأنهار، يعدهم بها رجال أديان يتعاونون معك، ويضعون الخطوط الحمر لحمايتك، ويناصرونك في السراء والضراء!

أطلقتُ عليك صفة الغباء وجعلتها عنوانا لهذا المقال، لتعرف نفسك، ويعرفك الأخرون بصورة تخالف الصورة الماثلة عنك بين أنصارك ومريديك، الذين يعتبرونك شاطراً حربوقاً، ذكياً وبهي الطلعة، ويرون فيك الممثل الشرعي الوحيد لهم. أما الغالبية من الشعب، فيطلقون عليك الالفاظ المشينة والمحقرة. يصفونك بالانتهازي والقاتل والفاسد والمجرم، ويشتمونك في التظاهرات وعلى الشاشات وفي الصحف، وأنت غير مبال، لأنه ما دامت قافلة المصالح تسير، فشتائمهم وأقوالهم هي في نظرك صراخ وعواء كلاب!

لكن اعلم أيها "الزعيم"، أن صفة "الغباء" التي ألصقها بك هي ضد مصالحك. قد تقبلها على نفسك (وبعد أن تمسح جلدك)، كل شتيمة تأتيك من القوم، من كبيرهم وسرًيهم ووضيعهم، لكني واثق كل الثقة بأنك لن ترضى بأن يقال عنك إنك غبي، لأنك تعتبر نفسك ذكياً وعظيماً وحكيماً وبهياً، لكن سأثبت لك بالدليل القاطع بأنك غبي، وبأن ما تقوم به ضد مصلحتك، وبأن معاركك التي تقودها وتظنها رابحة، هي معارك خاسرة في النهاية، لا طائل منها وليست من مصلحة بنيك وأحفادك وعشيرتك، ومن مصلحة الوطن، الذي تكبًد بسياستك العرجاء، أهوالا ومصائب لا تعد ولا تحصى. يقول الفرنسيون في أمثالك، "من يضحك عن حق هو من يضحك أخيراً"، أما شعوب البلقان فيقولون "الفرح العالي الصوت ينتهي غالبا بالدموع"! أقوال تنطبق عليك خير انطباق، وتنطبق على أبنائك وأحفادك، وعلى السائرين في ركبك من "أزلام ومحاسيب" وأصحاب مصالح. هنا أريد أن اذًكرك بان الغبي ليس من يشتري ورقة نصيب، ويحسب احتمالات الربح والخسارة. الغبي هو من يشتري الورقة، ويعتقد جازماً أنها ستكون رابحة، وانت تنتمي إلى هذا الصنف الأخير من البشر. هذا وضعك تماما أيها "الزعيم" الغبي، وسأشرح لك كيف أنك غبي، وكيف أن رهاناتك ومعاركك كلها قضايا خاسرة.

لن أسلط الضوء على ما ألحقته سياستك بالوطن، فما يعانيه الشعب من أوضاع معيشية مزرية، ونهب متواصل لحقوقه المادية، وازدراء متواصل لحقوقه الإنسانية، أكبر مصداق على غبائك، وخير برهان على أن سياستك جريمة موصوفة، لا بحق الوطن والشعب وحدهما فحسب، بل بحق نفسك أيضاً، ولهذا السبب وصفتك بالغبي، نعنت يلائمك كل الملاءمة، وأقدم الدلائل عليه في ما يأتي من سطور:

أولاً. أنت نجحت في تحويل البلد إلى طوائف، كل طائفة فيه تكره الأخرى، وتناصبها العداء. فعلت ذلك لأنك وجدت أن سياسة "فرق تسد"، هي الطريقة الوحيدة للمحافظة على النظام الطائفي، وعلى موقعك فيه كزعيم، وعلى "زعامة" أولياء عهدك، أبناء كانوا ام اصهاراً! وبما أنك "زعيم" معتل، يتبعه أنصار معتلًون، فقد أصبح وضعك ضعيفا في بلد ضعيف، يمكن أي قوي من الخارج، أن يدخله ويشاطرك السلطة فيه، أو يُزاحمك عليها، أو يسلبها منك ويتحكًم بك وبأنصارك، وهذا الشيء قد حصل في الماضي، أليس كذلك أيها "لزعيم" الشاطر الحربوق؟!! أعود بك إلى ما قاله وزير دفاع دولة العدو قبل أسابيع، بأن الجيش الإسرائيلي جاهز للعودة إلى صيدا وصور وبيروت. لا أُقيم في لبنان، ولا أملك شيئاً في الوطن الذي جعلت منه "شركة مساهمة" غير وديعة كانت لي وسرقت، لكني، مثل أي مواطن ما زالت في عروقه نقاط من دم، أشعر بالخزي والعار حين أسمع وزير دفاع دولة عدوة يهدد بلادي، وبغزو المدينة التي ولدت فيها ونشأت. لست من السذاجة بحيث ألوم أو أنتقد وزير دفاع هذه الدولة، أو هذا الكيان، سمه ما شئت! هو يستطيع أن يقول ما يشاء، لكن ألوم نفسي إذا انتخبتك واعتبرتك الضمانة، لأنك مثل كل "زعيم" فاسد معتل، تضع مصالحك الشخصية ومصالح عشيرتك قبل مصلحة الوطن، لا بل تضعف الوطن وتعرضه للمخاطر، إلى درجة تشجع وزير دولة غريبة على غزوه! لكن تذكًر أيها "الزعيم" الفاسد، إن ينفع التذكير، أن المصالح الشخصية كثيراً ما تصيب عيون أمثالك من "الزعماء" الفاسدين بالعمى، وإلى حدود لا يستطيعون بعدها أن يروا الحقائق، أو يدركوا ما معنى أن يكون الوطن سيداً حراً مستقلاً، وأن تكون الحدود مصانة، وكرامة الشعب محفوظة، وهكذا أنت أيها "الزعيم" الفاسد. فاقد البصر والبصيرة أنت، ولمًا يدخل في خلدك بعد، أن سياستك التي تتغنى بها، هي ضد مصلحتك، لأن الغازي الغريب، سواء كان إسرائيليا، أو عربياً، أو فارسيا أو تركيا أو أجنبيا من أي جهة، قد يأتي ويتسلط عليك وعلى بلدك وشعبك. أليس هذا دليلا قاطعاً على أنك غبي وسياستك غبية!

ثانيا. سياستك في لبنان أضرت بالبيئة، واللبنانيون يتنشًقون اليوم هواءً فاسداً، هو الهواء ذاته الذي تتنشقه أنت، ويتنشقه أولادك وأحفادك، ومع هذا الهواء الملوث، هناك الماء الملوث، والرغيف الملوث، يدخل بطون الشعب ويدخل جوفك وبطون أولادك وأحفادك، ومن سيأتي بعدك من أولاد وأحفاد. أليس هذا دليلاً آخر قاطعاً على أن أفعالك ضد مصلحتك، وضد عشيرتك، وضد الوطن، وأنك غبي وسياستك غبية!

ثالثا. في الدول الراقية التي يحترم السياسي فيها نفسه، ويحترم شعبه، يبقى لديه، بعد انتهاء فترة خدمته (لا أقول فترة حكمه!)، يبقى لديه ملء الحرية بأن يتجول في أي مكان يريد، ويذهب بحرية كاملة إلى أي مطعم أو حانة أو مسرح، من دون أن تعترضه شتائم وعراقيل، وها أنت في بلدك أيها الحاكم الفاسد، مكبًل اليدين كالسجين، محروم من الشيء الذي هو أثمن ما في الوجود، وأعني به الحرية. أليس هذا دليلاً قاطعاً على أنك غبي، وسياستك غبية؟!

رابعاً. لقد مكًنتك السلطة من نهب المال الوفير، وتحقيق الثروة السهلة المنال، فهل بمقدورك بعد، أن تنفق هذا الذي نهبته بحرية، وقد أصبحت عيون الناس مسلطة عليك أينما ذهبت في هذا العالم؟ أليس هذا دليلاً قاطعاً على أنك غبي، وسياستك غبية!

أستطيع أن أقدم الكثير من الأدلة الساطعة على أنك من أغبى الحكام في العالم، وأكثرهم نفاقاً وأشدهم جهلاُ، وأنك تمارس سياسة ضد نفسك وشعبك وبلادك وأولياء عهدك. أما الحكم عليك بمعايير القيم المعنوية والأخلاق والمناقب، فمسألة لن أتوقف عندها كثيراُ، لأني أعرف أن هذه القيم لا تضيرك ولا تعنيك، وهي في الأصل ليست من مفردات قاموسك. قد أستطيع أن أبحر فيها إلى ما لا نهاية، لكني مدرك كل الإدراك، بأنها لن تحرك فيك ساكناً!

كلمات أخيرة أوجهك إليك أيها "الزعيم" الغبي: قد يضعك أنصارك في مصاف الآلهة، وقد تفتديك بالروح والدم ألوف السواعد، وتهتف باسمك قلوب كثيرة، ساذجة بريئة جعلتها خائفة مذعورة لترى فيك الحارس والضمانة، وهي تدعو لك بطول العمر، وتقول فيك كل كلمة عيناء، وتعيدك إلى الحكم، كلما أسمعتها حديثاً عن حقوق الطائفة، أو حقوق "المسيحيين" أو حقوق "المسلمين"، أو كلما رفعت أمامها راية العصبية الدينية، أو ألقيت عليها خطاباً من تلك الخطب "الوطنية" الرنانة التي أصبحت فارغة جوفاء، لفرط ما عافتها الأذان، لكنك تبقى، في نظر أصحاب النفوس الحرة والعقول النيرة "الزعيم الفاسد". لن أعتذر لمن انتخبوك على هذا التصنيف، لأني واثق من أن يوما سيأتي، ويكتشفون أن ما أقوله عنك الآن هو حق، وحقيقة لا غبار عليها، ولا تشوبها أي شائبة.

لن تغنيك المناصب أيها "الزعيم"، ولن ينفعك صولجان الحكم، وعاجلا أم آجلا سوف تكشف لك الأيام حجم غبائك، وحجم الكوارث التي صنعتها لبلادك ولنفسك، وتحويلك الوطن، إلى بلد يتسول على أعتاب الأمراء والملوك والشيوخ، وأبواب المؤسسات المالية العالمية. لكن أعدك وعد مواطن حر، بأنه إذا جاء يوم وانهار نظام لبنان الطائفي، وعرف شعب لبنان حقيقة نفسه، ونهض على صحوة وطنية حقيقية، وأتى من يكتب التاريخ الصحيح، سيوضع شباب الغد وصباياه وأطفاله، عنواناُ أحمر فوق اسمك، "أحد طغاة أغبياء"، تآمروا على البلد الصغير واستغلوه، ونهبوا خيراته، وساموه ألوان الذل والقهر والعذاب، وباعوه بثلاثين من الفضة، ساحة للصراع عليه، وعلى هذه المنطقة الحزينة من العالم.