اختزلت الفقرة المتعلقة بلبنان في البيان الختامي لقمة جدة الأميركية العربية عصارة القرارات والبيانات الدولية والعربية الصادرة في شأن البلد طوال السنة الماضية، ما يؤشر إلى تصميم جديد على ترجمة ما تم من إجماع دولي في شأن الحلول لأزمته، أو لطريقة إدارة هذه الأزمة على الأقل.

وللتذكير ببعض المحطات المهمة التي لا يمكن فصلها عن الفقرة الواردة في بيان جدة السبت الماضي، لا بدّ من العودة إلى بيان جدة الصادر عن اجتماع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في 4 -12-21 والذي شدّد على دعم الجيش والإصلاحات وحصر السلاح بيد الدولة وتطبيق القرارات الدولية 1559، 1680، و1701، والتزام اتفاق الطائف، وإنشاء صندوق مشترك فرنسي سعودي للمساعدات الإنسانية...

بعد 10 أيام من تلك القمة صدر عن القمة الخليجية التي انعقدت في الرياض بيان تضمنت الفقرة المتعلقة بلبنان فيه العناوين ذاتها التي نص عليها البيان الفرنسي السعودي، مضافاً إليها إدانة التصريحات المسيئة لدول مجلس التعاون الخليجي (من قبل حزب الله)، وطالب بـ»منع حزب الله الإرهابي من ممارسة نشاطاته الإرهابية واحتضانه ودعمه التنظيمات والميليشيات الإرهابية المزعزعة للأمن والاستقرار في الدول العربية لتنفيذ أجندات دول إقليمية»، كما جاء في البيان، بالإضافة إلى مراقبة الحدود لمنع تهريب المخدرات إلى دول الخليج. وسبقت القمة الخليجية جولة قام بها ولي العهد السعودي على عواصمها، صدرت إثرها بيانات مشتركة بهذا المعنى.

جاء كل ذلك في ضوء انفجار الأزمة بين الرياض ولبنان إثر تصريحات وزير الإعلام في حينها جورج قرداحي، وبعد تكاثر عمليات تهريب المخدرات إليها من لبنان، والتي أدت إلى سحب السفراء الخليجيين...

في 22-1-22 زار وزير خارجية الكويت الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح بيروت في وساطة لرأب الصدع، بعد اتفاق مع الرياض وتنسيق مع باريس وواشنطن، حاملاً ما سمّي في حينها الورقة الكويتية من 12 بنداً سلّمها الى المسؤولين اللبنانيين، ليتم على أساسها إصلاح العلاقة مع دول الخليج وإعادة السفراء إلى بيروت، فشملت ضرورة التزام مبدأ النأي بالنفس عن صراعات المنطقة «قولاً وفعلاً» و»التعهد بملاحقة أي طرف لبناني يشترك في أعمال عدائية ضد دول مجلس التعاون ووقف أنشطة الجماعات المناوئة»...

البيانات العربية استنسخت البيانات الدولية عن مجلس الأمن ومجموعة الدعم الدولية للبنان والاتحاد الأوروبي. لم يسقط من هذه البيانات منذ أيار الماضي سوى موضوع الانتخابات النيابية بعد إجرائها في موعدها، لتحل مكانها عبارة تشكيل الحكومة بأقصى سرعة وإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري...

لكن بيان جدة نوّه بالمبادرة الكويتية تاركاً الباب مفتوحاً لعلها تنجح في إحداث تقدم في سائر البنود، ما يعني أنها باتت مبادرة مدعومة من سائر الدول المشاركة في قمة جدة بما فيها أميركا. حين تبلغ لبنان بالبنود الكويتية الـ12، تكرست كخارطة طريق لاستعادة لبنان بعض الدعم العربي، وسط اقتناع كويتي وقطري، ثم سعودي بناء لإلحاح فرنسي، بعدم جواز ترك الساحة لإيران كي تتفرّد بالنفوذ فيه على حساب الدور العربي، إذا انكفأت الدول الخليجية عن ساحته. وإذا كان الرئيس الأميركي جو بايدن كرر ثلاث مرات في تصريحاته في إسرائيل وفي جدة اعترافه بخطأ بلاده ترك الشرق الأوسط، الأمر الذي أفسح في المجال لإيران كي تملأ الفراغ، وأضاف إليها روسيا والصين، فإن هذا المبدأ ينسحب على لبنان حكماً، حيث لواشنطن حضور مضطرد.

فقرة لبنان في بيان قمة جدة السبت الماضي تعيد تكريس هذه القاعدة التي أخذت تغضب «حزب الله»، وإيران من ورائه. وهي إحدى خلفيات التصعيد والتلويح بالحرب باسم حقوق لبنان النفطية، عشية الانتخابات الرئاسية اللبنانية.

ما تضمنته الفقرة هو نتاج تراكم التأزم الذي يعيشه البلد في علاقته بدول الخليج ومع الدول الغربية، حيث بات من الصعب على أي رئيس جديد للجمهورية أن يتجاهل خريطة الطريق هذه، مهما كان عدد الأصوات التي سيحصل عليها في البرلمان. فولاية الرئاسة الحالية جاءت نتيجة مزاج عدم الاكتراث الذي ساد حيال لبنان عربياً ودولياً، والذي أدى إلى التسليم «بأي رئيس» للجمهورية، كما كان مسؤولون أميركيون يقولون، بحجة ملء الفراغ الذي هيّأت له طهران بعناية وتخطيط مسبقين لتحصل على الموقع الرئاسي.

ليس عن عبث أن الرئيس ميشال عون تعاطى مع ما ورد في قمة جدة عن لبنان، كأنه لم يكن، فيما رحّب به رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.