لم تختر دولة الإمارات مسألة توسيع الشراكات العالمية وتنويعها إلى أن شملت كل دول العالم اعتباطاً أو فجأة فالمسألة فيها رؤية وبعد نظر.

وبالتأكيد هي أيضاً لم تفكر يوماً للعمل ضد دولة أخرى وإنما تعمل للحفاظ على سيادتها وأمنها وهذا حقها كأي دولة في العالم وهو إجراء تتبعه كل دول العالم. كما أنها تساهم وتبادر في إشراك الآخرين في تجربتها حتى يعم الخير والاستقرار كل الناس.

وبحسب قناعاتي يستطيع كل مراقب أن يرصد ما تطرحه قيادتها السياسية خلال الفترة الممتدة من النصف الثاني من العام الماضي وخاصة بعد الإعلان عن المبادئ العشرة للخمسين عاماً القادمة إلى الجولة التي دشن فيها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، زيارته الخارجية إلى فرنسا، أن يخرج بنتيجتين اثنتين هما.

الأولى: أن التنمية وخاصة الاقتصادية هي التركيز المستقبلي للإمارات فكل الخطابات السياسية والمبادرات والتحركات الدبلوماسية يتضح أنها تركز على هذا الجانب.

النتيجة الثانية: تبني دبلوماسية «تصفير المشاكل» مع جميع الدول لذا اتجهت نحو المبادرة بحسن النية مع الجميع بما فيها إسرائيل وإيران وتركيا وبدأت عهداً جديداً معها، مع الاقتناع الكامل بأن «الحوار» هو أفضل نهج لإيجاد حلول للأزمات والخلافات سواءً مع خصومها أو بين باقي الدول في العالم بما فيها الأزمة الأوكرانية-الروسية وذلك بعدما تأكد للجميع بأن الأساليب الأخرى القائمة على التشنج السياسي والاحتقان الدبلوماسي قد تؤدي إلى كوارث.

ما سبق هو خلاصة خطاب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مؤخراً وهو كذلك مضمون التصريحات التي أدلى بها معالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة قبيل القمة الأمريكية-العربية والتي كان يُعتقد أنها سوف تفرز حلفاً في المنطقة ولكن الإمارات كما يعرفها الجميع حاسمة في مسألة الحفاظ على استقرار المنطقة والعالم ، لذا أرادت أن تنفي كل ما يمكن أن يبعث على القلق تجاه الجوار الجغرافي.

ما هو واضح أن مشروع دولة الإمارات منذ تأسيسها، سعادة الإنسانية والعمل على تحسين البيئة العالمية لتصلح للحياة من خلال التفاعل مع المحبين للعيش المشترك والتسامح، وإن كان الزخم زاد وارتفع خلال العقود الأخيرة كنتيجة لتراكم المسؤولية الدولية عليها. فمن غير أن دبلوماسيتها بُنيت أساساً على مبدأ «المساعدات الإنسانية» فإن تتبع الإجراءات اللاحقة نجدها تصب في الخانة نفسها سواء أكان في استضافة جاليات من مختلف دول العالم ومشاركتهم في بناء الدولة، كما أشار إلى ذلك رئيس الدولة في خطابه الأول، أو من خلال الوقوف مع الإنسان أثناء الأزمات والكوارث آخرها أزمة كوفيد 19 أو ترسيخ الأفكار التي تحفز الناس على التفاعل المشترك باختلاف ثقافاتهم.

من هنا فإن الاهتمام العالمي بالمبادرات الإماراتية ومنها استعدادها لاستضافة قمة (COP 28) وشغفهم بانعقادها في مدينة إكسبو دبي التي تعتبر رمزاً في تشارك المجتمعات الإنسانية للبحث عن الحلول للأزمات انطلاقاً من إرث «إكسبو 2020 دبي» الذي حمل شعار «تواصل العقول وصنع المستقبل»، إنما هو: دليل على ثقة الناس بالدور الذي تقوم به الإمارات ونجاحها فيه.

إن الرؤية الإماراتية الأممية تقوم على أن مصير استقرار العالم مرتبط بنجاح الشراكات الاقتصادية وتوسيعها وأن كل من يحاول الإضرار بالآخرين عليه أن يدرك أنه سيكون هو الأكثر ضرراً، وتقوم تلك الرؤية على قناعة بأن الحوار والتفاهم هي الوسيلة الوحيدة التي تحفظ للجميع مكتسباته التنموية مع إدراك أن «الذراع العسكري» والقوة عامل مهم في أن يفهم كل من تسول له نفسه بأن المساس بسيادة الدولة خط أحمر ولا يمكن التهاون فيه.