هذه مطربة وممثلة مصرية قديمة من جيل الثلاثينات الميلادية، ممن عاصرن مطربات من أمثال منيرة المهدية وفتحية أحمد وحورية حسن وعائشة حسن ونادرة، وظهرن على ساحة الغناء في بدايات أم كلثوم واسمهان ورجاء عبده وليلى مراد وسعاد محمد وصباح. ويعود الفضل في اكتشافها في بداية العشرينات إلى الشاعر حسين حلمي الماسترلي الذي أحضرها من الريف من بعد وفاة والدها وعرّفها إلى أصحاب شركة أوديون للتسجيلات الصوتية، وبدورها هي التي اكتشفت مواهب رياض السنباطي الذي كان وقتذاك مجرد عازف للعود في فرقتها. أما تدريبها على الغناء فقد كان على يد الموسيقار القديم داوود حسني.

تُعد نجية علي صيام الشهيرة فنيًا باسم نجاة علي والمولودة في فارسكور بمحافظة الدقهلية في 23 مارس 1913 والمتوفية في 26 ديسمبر 1993، أول مطربة مصرية تغني في السينما الصامتة. بدأت مشوارها الفني في العشرينات من خلال الإذاعة المصرية، كما قدمت آنذاك حفلات كثيرة في منازل وحدائق الأثرياء والبشاوات. أما أول حفلة علنية عامة لها فكان على مسرح الأزبكية عام 1929. ثم راحت تسجل أغانيها على أسطوانات بلغ عددها نحو 90 أسطوانة. علاوة على ذلك غنت في حفل افتتاح الإذاعة المصرية مع أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وعبدالغني السيد وفتحية أحمد، علمًا بأن أول أغنية أدتها كانت أغنية «سر السعادة» قبل أن تؤدي أغاني أخرى من بينها أغنية الأطلال لإبراهيم ناجي من تلحين محمد فوزي، وذلك قبل سنوات طويلة من قيام أم كلثوم بغنائها على لحن مختلف لرياض السنباطي.

دخلت نجاة مجال التمثيل أول مرة في عام 1931 من خلال فيلم معجزة الحب للمخرج إبراهيم لاما، ثم أتبعته بعدد من الأفلام منها: شيء من لا شيء لأحمد بدرخان عام 1938، وحب من السماء لعبدالفتاح حسن عام 1943، والحظ السعيد لفؤاد الجزايرلي عام 1945، وفيلم الشاطر حسن لفؤاد الجزايرلي أيضا عام 1948، كما شاركت بالصوت فقط في فيلم «الكل يغني» لعزالدين ذوالفقار سنة 1947، وهو الفيلم الأول للمطربة نجاة الصغيرة. غير أن عملها السينمائي الخالد في أذهان الجمهور هو فيلم دموع الحب /‏ 1935 من إخراج محمد كريم والذي وقفت فيه أمام موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، إذ يُعد هذا الفيلم أول فيلم غنائي بطريقة الديالوج في تاريخ السينما المصرية.

تزوجت ثلاث مرات: الأولى من قريبها الضابط المهندس أنيس الطوبجي الذي أنجبت له ولدهما ممدوح، وطالبها بالاعتزال لغيرته الشديدة عليها، فلبت طلبه وسافرت معه إلى مرسى مطروح في أثناء الحرب العالمية الثانية ووهبت نفسها لرعاية بيتها، لكن زيجتها هذه لم تدم سوى خمس سنوات عادت بعدها إلى الغناء والتمثيل. أما زيجتها الثانية فقد كانت من فؤاد الأطرش (شقيق فريد الأطرش)، ونظرًا للمشكلات الكثيرة بينهما بسبب الإنجاب تطلقا بعد مرور سبع سنوات، لتتزوج للمرة الثالثة من رجل من أصول سورية يدعى السويفي الذي أنجبت له ابنهما محمد الذي صار لاحقًا لواء طيار.

قال ابنها ممدوح في لقاء صحافي إن والدته ارتبطت بعلاقة ود واحترام مع جميع الفنانين، لا سيما أم كلثوم، وحينما حصلت الأخيرة على لقب «صاحبة العصمة» احتفت نقابة المهن الموسيقية بنجاة علي وسألوها عمن تود أن يغني في حفل تكريمها، فأجابت أم كلثوم، وكان لها ما أرادت. وأضاف ممدوح الطوبجي أن والدته كانت بعيدة عن أي صراعات، بل كانت تساعد الجميع، وكان من أبرز أصدقائها مديحة يسري وفايزة أحمد وهدى سلطان وعبدالحليم حافظ (في بداية مشواره) وأسمهان وفريد الأطرش، كما أن عبدالوهاب كان يكن لها الاحترام ويدعوها بـ«الست نجاة».

اعتزلت الفن نهائيًا عام 1952 وذهبت لتعيش في الإسكندرية بعيدة عن أضواء الإعلام التي لم تكن تحبها كثيرًا. كان ذلك في أعقاب عملية الولادة القيصرية العسيرة لابنها الثاني محمد، لكن هذا لم يمنعها من الاستجابة لطلب تلقته من الأديب يوسف السباعي في عام 1957 للغناء للسد العالي، إذ وافقت على المشاركة في ذلك العمل الوطني الذي بسببه كرمها الرئيس عبدالناصر، قبل سنوات من تكريمها مجددًا في عام 1978 بمنحها جائزة الجدارة.

ورغم اعتزالها المبكر فإن نجاة علي تمتلك رصيدًا غنائيًا يصل إلى ما يقرب من 400 أغنية شارك في كتابتها وتلحينها نخبة من الكتاب والملحنين، من أشهرها «فكراك ومش نسياك»، و«يا لايمين في الهوى»، و«سلم على قلبي»، و«قال إيه دلوقتي ما بيحبش»، و«قلوب الحبايب»، و«من بعيد لبعيد».

حول رأيها في موسيقى هذه الأيام قالت في حوار مع مجلة الكواكب المصرية سنة 1980: «الفرق الجديدة التي يؤلفونها لموسيقى الجاز الغربية وما شابهها والأغاني الخفيفة التي توضع موسيقاها على لمحات عربية لا أحبها، وقد يغضب البعض مني ولكني صريحة. الغناء القديم كان يمتاز بالصوت القوي لأنه لم يكن هناك ميكروفون مثل الآن، وكان الصوت القوي يصاحبه حسن التصرف والذوق، والمطرب كان يغني في شادر به آلاف المستمعين ومن غير ميكرفون، وفي أغلب الأحيان كان الفجر يطلع وهو ما زال يغني على المسرح».

بقي أن نعرف أن نجاة علي عادت إلى الفن في عام 1965 من خلال المشاركة في مسرحية «ياسين وبهية» من إخراج كرم مطاوع، ثم اختفت فترة من الزمن لتعود وتمثل في عملين تلفزيونيين هما: لحظة اختيار /‏ 1978 مع عمر الحريري وسميحة أيوب، ومسلسل فيه ناس طيبين /‏ 1981 مع حسن يوسف وفردوس عبدالحميد.