العجوز الثمانينية التي تحمل قاذفة للهب وتصوبها نحو كتاب لا يحترق في فيديو تتداولته مواقع التواصل الاجتماعي لعدة أسابيع ليست سوى الكاتبة الكندية المرموقة مارغريت آتوود، وهي تحاول إحراق نسخة جديدة من كتابها الشهير "قصّة الخادمة" ولكنّها لا تحترق.

الكتاب الذي صدر العام 1985 تعرّض لكثير من الرّقابة، ويعتبر الكتاب الأكثر حظراً من بين مئة كتاب وفقاً لجمعية المكتبات الأميركية.

كان هذا الابتكار من ناشرها "بنغوين راندوم هاوس" لمواجهة الرقابة المتشددة المدعومة من طرف سياسيين والتي يبدو أنّها تزداد شراسة ضد قائمة كبيرة من الكتب في بلد يعتقد أنه عقر حرية التعبير.

وقد بيعت النسخة غير القابلة للاشتعال من هذا الكتاب في مزاد علني من قبل دار "سوذبيز" بنيويورك بمبلغ فاق التسعين ألف دولار أميركي، تم التبرّع به لجمعية "Pen America" التي تناضل من أجل حرية التعبير في العالم، وهي مؤسسة غير ربحية تأسست منذ العام 1922 ومقرها نيويورك.

التضييق على الحريات في الولايات المتحدة تصاعد بشكل خفي، وقد جعل النخبة تتساءل عن مصير الكتاب إذا ما اعتبرت القراءة فعلاً معادياً للمجتمع، خاصة وأن العصر الرّقمي يقود العالم نحو التفكير السطحي والمعلومة غير المؤكدة.

وتقريباً على النّسق نفسه تم إصدار كتاب "فهرنهايت 451" لكاتبه راي برادبري (توفي في 2012) والذي صدر أول مرة العام 1953 في طبعة جديدة محدودة (سعر النسخة الواحدة 330 دولاراً) بغلاف وصفحات سوداء بالكامل ولا يمكن قراءتها إلا إذا لامسها لهب ما أو مصدر حراري. وهذه رسالة قوية موجّهة إلى كل أولئك الذين يرغبون في تجميد البشر في فكرة واحدة.

فكرة الكتاب غير القابل للاشتعال فكرة قديمة تعيدنا إلى بداية القرن الثامن ميلادي (بداية القرن الثاني الهجري) حين ابتكر رجل عبقري اسمه جابر بن حيان كتاباً رماه في النار فلم يحترق، ونحن نعرف اسم الرّجل جيداً، ونعرف أنه عالم مسلم عربي برع في علوم الكيمياء والفلك والهندسة والطب والصيدلة، إضافة إلى كونه كان فيلسوفاً، لكننا لا نعرف بالتفصيل ما الذي قدّمه للبشرية من اختراعات.

ومن بين اكتشافاته وابتكاراته العجيبة اخترع نوعاً من الورق لا يتأثر بالنار، بحيث فاجأ معلّمه الإمام جعفر الصادق وتلاميذه بعد الانتهاء من تدوين المخطوطات برمي أحدها في النار لكنه لم يحترق.

رحلة الكتاب غير القابل للاشتعال إذن عمرها أكثر من 1200 سنة، لكنّها عادت للواجهة العالمية لمحاربة حارقي الكتب مثلما فعلت جماعة في تكساس حين أحرقت نسخاً من هاري بوتر وتوايلايت، وهذا يذكرنا بمحارق كثيرة تعرّضت لها الكتب، لكن بالتأكيد لن يخطر ببال أحد أن الولايات المتحدة حظرت ما يفوق 1600 كتاب في السنة الماضية، وبعضها تم حرقه.

طبعاً من الجيد أن نمتلك كتباً لا تحترق، لكن من يملك ثمنها الباهظ؟