أخشى أن تتحفّز بعض الدول والأنظمة في إنشاء وزارات وابتداع هيكل رسمي للنفايات السياسية.. يتصدره إعلان ويافطة على قياس كبير وبالألوان والزخرفة.. «وزارة تدوير النفايات السياسية ترحب بكم!».
عبء بيروقراطي ومالي تتحمّله الشعوب وتتخلف من ورائه الدول والأنظمة سياسياً واجتماعياً وثقافياً وعلمياً.. تركة لا يعرف ثقلها إلا المتضررون والمنتظرون لقفزات وتحولات واعدة.
ظاهرة سياسية لافتة عربية المنشأ، تتلخص في تخليد ما يسمى في موسوعة كبار المسؤولين والموظفين في الدولة من وزراء وسفراء، بحيث لا يجري الاستغناء عنهم إطلاقاً، ولكن طبعاً بانتقائية شديدة، لا يقدم عليها ويعرفها سوى أصحاب القرار الحكومي الأحادي!
وزراء ونواب أمة، منهم من يستحق التكريم والاستفادة منهم تنموياً وثقافياً وعلمياً، يجري الاستغناء عنهم بقرار حكومي متهور وبانتقائية شديدة حين يترجلون من صهوة العمل بعد عطاء وترك ثروة من الإنجاز والتحولات في شتى الميادين!
جرت العادة في الحكومات الكويتية عدم احتضان الكفاءات، بينما يتم احتضان آخرين، ممن لهم خبرات متواضعة، وتوزيع المناصب الرسمية عليهم، وكأنهم مقرر إلزامي طوال الحياة وعلى الشعب من دون معايير عملية وعلمية ومهنية.
توصلت إلى قناعة بأننا أمام ظاهرة تدوير النفايات السياسية.. ظاهرة غير حميدة متورمة سياسياً واجتماعياً، لكن الشعب لا يملك حق الاعتراض، فالحكومات ترى ما لا تراه الشعوب!
لست صاحب مصطلح «تدوير النفايات السياسية»، وإنما هو استعارة من أخ عزيز أكثر مني خبرة لغوياً وسياسياً.. فقد دفعني هذا الوصف العميق والواقعي إلى التفكير والتعبير حتى تحفزت في تكوين فكرة هذا المقال عن تدوير النفايات السياسية.
نعم هناك ظاهرة شرقية وعربية بوجه خاص متفشية في المجتمعات والدول المتخلفة، حين تكون أحضان الحكومات ذات آفاق حنونة وكبيرة جداً في احتضان المتردية والنطيحة من كبار المسؤولين والوزراء السابقين، بحيث يتم تدويرهم سياسياً إلى ما لا نهاية!
فبدلاً من النجاح في تدوير النفايات بشكل نافع ومفيد للدول والشعوب، يجري تدوير النفايات السياسية بهدف إرضاء الخواطر، وخصوصاً حين تكون الخواطر عزيزة وغالية عند أصحاب الشأن والقرار، مثلاً كالنسب والقبيلة والطائفة!
الدلع الحكومي للنفايات السياسية بلغ حداً إلى تفجير الابتسامات والضحكات بدلاً من الغضب والاستياء.. ففي المجتمعات الصغيرة ليس هناك سر حين تمتد الأيادي الرسمية بحنان مفرط في منح الخلود لشخصيات لا تستحقه.
التعليقات