ينجح لصوص الأدب لعدة أسباب، حين يختارون الوقت المناسب للسرقة، وحين يسوّقون لعملهم المسروق جيدا، وحين يكونون على يقين أن جمهورهم الواسع لا يقرأ أو لنقل قارئ كسول حتى وإن وضعتَ بين يديه كتابين أحدهما الأصل والثاني المنتحل فإنّه يجد صعوبة ليقرأهما، لكن الغريب في الأمر ليس "لذّة السرقة" التي يعيشها هؤلاء بل مكافأتهم بالمجد الذي كانوا يحلمون به وتشجيع غيرهم على المشي على خطاهم.

اتهم جورج أورويل بسرقة روايته "1984" من رواية "نحن" للكاتب الروسي يفغيني زامياتين (1921) كون هذا الأخير هو السبّاق فكرةً وقراءةً لمستقبل هذا الكائن البشري على طريقته. كتب ذلك باتقان منتقدا النظام الواحد ونتائجه الوخيمة، ولكن وكما يحدث على طاولات القمار، يلعب الحظ دوره لينطفئ يفغيني باكرا في منفاه الباريسي، فقيرا معدما بعد أن حوّل النظام الستاليني حياته إلى جحيم، فيما برز نجم أورويل حين تمّ الترويج والتسويق لأعماله كجزء من الحرب الباردة التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية. بل إن روايته "1984" اعتبرت أعظم رواية في العالم، وشبّهها البعض بالكتاب المقدّس لكثرة النبوءات فيها، وأغلبه تحقق إما على المدى القصير وإما البعيد. فقد توقع أمورا أصبحت من البديهيات في عصرنا مثل المراقبة بالكاميرات، ووسائل الاتصال. أصبح أورويل اليوم علامة تجارية تذكرنا بعلامات في عالمات العربي، نخشى حتى أن نصرّح بأسمائها بما أصبح لديها من سلطة لتدمير من تسوّل له نفسه ويكشف ملف سرقاتها. "كُتّابٌ" يشبهون "المحدلة" يعتدون على أفكار الغير ويقدمونها بأغلفة جديدة وحتى وإن قاموا بتشويهها فهناك إعلام مسخّر لهم يقوم بمهمّة تبييض سمعتهم السوداء هذه.

نتساءل مثلا لماذا اشتهرت رواية "هاري بوتر" للبريطانية ج ك رولينغ فيما لم ظلّت نسختها الأصلية "مغامرات السّاحر ويلي" لكاتبها أدريان جاكوب بعيدة عن الأضواء؟ الأكيد أن رولينغ لم يكن خلفها سوى ناشرها الذي عرف من أين تؤكل الكتف، فواجه معها حرب التهم ضدها بطريقة ذكية زادت من رفع أرقام المبيعات، نعم إنها ضربة معلّم، تماما كما يحدث في المحاكمات الظالمة حين يخرج المجرم من قفص المتهم بريئا بسبب شطارة محاميه.

من قرأ رواية الأفغاني عتيق رحيمي "حجر الصبر"؟ هي رواية ألهمت كثيرين لكن أن "يسلخها" أحد مشاهير كتابنا باللغة العربية دون أن ينبس أحد ببنت شفة فهذا لعمري قمة البؤس، لقد تم تدريبنا على الصمت واللامبالاة لأن الفساد تفشّى في كل القطاعات، لكن صدقا أليس فساد القطاع الثقافي أخطر من غيره؟ أليس الوحيد الذي يحمل الكلمة كسلاح، وهي التي يحتاجها السياسي ورجل المال والأعمال والعالم والطبيب وغيرهم؟ لماذا نستهين إذن بسرقة الكلمة؟ لماذا نعتبرها مرة "تناصّا" ومرة "تأثرا"؟

لا يملك الكاتب سوى كلماته، إنها مملكته فهل تتخيلون حجم مصيبته حين تسرق منه؟