تكلم الدكتور بدر العتيبي - وهو داعية سعودي معروف - عن الاستغلال الذي يمارس على السعوديين من قبل غالبية مفسري الأحلام، وكان ذلك قبل أيام قليلة على شاشة الإخبارية السعودية، وقال: إنهم يبحثون عن الشهرة والمكاسب المالية من وراء أعمالهم، ويخدعون الناس ويكذبون عليهم.. وكلامه مكتمل الوجاهة بالتأكيد، خصوصاً أنهم يستخدمون السوشيال ميديا والتطبيقات المشفرة والخاصة في تفسير الرؤى والأحلام، والثانية يشترطون للاشتراك فيها دفع مبالغ مالية عالية، وكل الخيارات السابقة جاءت بعدما تم إيقاف ظهورهم الإعلامي العام، وبعد منع استضافتهم في المحطات التلفزيونية والإذاعية والصحافة السيارة في المملكة، والسبب تورطهم في تجاوزات كثيرة، أبسطها، الإنذار بالموت الوشيك لأصحاب الرؤى أو أقاربهم، وإثارة العداوات والخلافات والشك بين الأزواج، أو القول بمعاناتهم من السحر أو المس أو العين، وهذه ثيمة معتادة لديهم، والغرض، بطبيعة الحال، وصف رقية أو علاج بمقابل مالي محترم.

التأويل الغيبي محصور في الأنبياء والرسل وبعض الصالحين، وحتى الكتاب المرجع الذي يعتمد عليه بعض المسلمين في تفسير الأحلام وينسبونه إلى محمد بن سيرين ملفق، لأنه ببساطة لم يكتب شيئاً في حياته، والكتاب صدر متزامناً مع ترجمة كتاب أرطميدورس عن تفسر الأحلام إلى العربية، ويجوز أنه مقتبس جزئياً منه، وما قيل لا يلغي أن ابن سيرين فسر بعض الأحلام ومعه النابلسي والشافعي وابن خلدون وغيرهم، وقد اعتمدوا في تفسيراتهم على الإشارات الواردة في المصادر الشرعية، ومعها الفراسة ومعرفة أحوال الشخص صاحب الرؤية، ما يعني أن ما يقومون به لا يخرج عن دائرة الاجتهادات غير المؤكدة، واحتمالات الخطأ فيها - وبشهادة الشرعيين أنفسهم - واردة وبنسبة 60 %، بخلاف أن الحلم في ذاته ربما كان صادقاً أو من الشيطان أو حديث نفس، والتفريق بين الثلاثة يخضع لمعطيات يقدمها الحالم للمفسر بافتراض صدق الأول.

تفسير الأحلام بالمطلق لا تحكمه ضوابط واضحة والثقافات تختلف في تفسيره، وهو أقرب إلى التنجيم وقراءة الطالع والبخت والفنجان وضرب الودع وورق التاروت، لأنها في مجملها تقوم على فكرة البحث في الغيبيات والخوارق، والآدميون ليس بإمكانهم الوصول إليها، ولعل درجة تعلق الناس بالماورائيات والكائنات فوق الآدمية والإقبال الكبير عليها، يعطي انطباعاً تقريبياً عن مستوى جهل أو ثقافة المجتمع، وفي الحضارات القديمة كانوا يتعاملون معها على أساس أنها حقيقة وقعت أو تنتظر الوقوع، ويعتبر أرطميدورس أول من كتب في الأحلام، ومن الفلاسفة القدامى الذين درسوها بموضوعية أرسطو، فقد قال: إن الحلم ينشأ من مؤثرات حسية تحدث حول الشخص أو بجواره، أثناء النوم أو أن هناك ما يشغل باله ومن كثرة تركيزه عليه يأتيه في الحلم، ولم يقبل بقدرتها على التنبؤ بالمستقبل.

من العجائب أن الأحلام وتفسيراتها سبق وأن استخدمت لأغراض سياسية، ومن أمثلتها المعاصرة، ما قاله خطيب إخواني نقلاً عن شخص لم يسمه، قبل انتخابات الإخوان في مصر، والمقطع متوفر على يوتيوب، وبحسب الخطيب، رأى الحالم مجلساً فيه الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - والرئيس السابق محمد مرسي، وقال إنه عندما حضر وقت الصلاة قدم الناس الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - ولكنه رفض وطلب أن يصلي بهم الرئيس السابق محمد مرسي، ولعل في التوقيت الانتخابي للحلم، وفي النهاية الصاروخية لحكم الإخوان في عام واحد، إجابة وافية وكافية على من يتاجرون بالدين وعواطف الناس، والدولتان الأموية والعباسية استخدمتا أحلام بعض أمرائها كذريعة للإفراج عن المحكوم عليهم بالقتل، وبأسلوب مشابه لما فعله الإخوان.

أطباء علماء النفس وفي مقدمتهم سيغموند فرويد، صاحب أول كتاب علمي يتناول تفسير الأحلام، يعتقدون أن الأحلام تأتي كوسيلة تسمح بإزاحة القلق وتفريغ الرغبات وإخراج المكبوت إلى العقل الواعي، وكلها تسهم في تعزيز الصحة النفسية للأشخاص، وتعمل على تحفيز الإبداع، ومن الشواهد، تيسلا الذي حلم بالمولد الكهربائي، وإلياس هول واستلهامه لماكينة الخياطة من كوابيسه، وخروج قصة فرانكشتاين للروائية ماري شيلي وقصة جيكلين هايد لصاحبها لويس ستيفتن من كوابيس حلما بها، وكانت الأحلام سبباً في ولادة ملحمة جلجامش وإلياذة هوميروس، وألف الإنجليزي بول ماركتني أغنية البيتلز (بالأمس) في حلمه، والشاعر الإنجليزي صامويل تايلر استلهم من حلمه قصيدة (قوبلا خان) التي تعتبر واحدة من أشهر القصائد في الأدب الإنجليزي.

تفسير الأحلام لا يقدم خيراً ولا يؤخر شراً، وكل الأشياء لا تتحرك إلا بسبب صادر من الشخص نفسه، وبدون تواكل على غيره، ويفترض ألا يمارس التفسير إلا أشخاص مرخصون ومؤهلون، وبموجب تنظيم واضح ومحدد من قبل الجهات المعنية في الدولة، وفي حدود ضيقة وبطرق علمية وعلاجية موثوقة ومراقبة، لأنه أخطر في تأثيره على بعض فئات المجتمع من الفتوى الشرعية، ولا بد من إفهام الناس أن الغيبيات أمور إلهية، وما يقدم لهم مجرد اجتهادات بلا مرجعية أو قاعدة ثابتة.