من أراد أن يعرف إلى أي مدى من التقدم والتطور والرقي وصلت المرأة البحرينية، فليتفكر فقط بما سجلته البحرين من تقدم وتطوير ونجاح تجسد في وصول ثماني نائبات إلى مجلس النواب بالاقتراع الحر المباشر، وليس الكوتا، ليشكلن 20% من إجمالي عدد النواب، وتعيين 10 عضوات في مجلس الشورى ليشكلن 25% من إجمالي عدد الشوريين، فضلا عن التعديل الوزاري الأخير الذي أضاف وزيرة أخرى لأربع وزيرات موجودات في الحكومة وليصبحن خمس وزيرات من أصل 23 وزيرا.

يحق لمملكة البحرين أن تتباهى بتلك الإنجازات التي تبرهن أن المرأة البحرينية تعيش أزهى عصورها في ظل الدعم والثقة التي تحظى بها من حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم حفظه الله، وإيمان جلالته منذ تسلمه مقاليد الحكم بضرورة تفعيل طاقات المرأة ودمجها في مسيرة التنمية والازدهار الوطني، وترجمة ذلك من خلال ما توليه الحكومة الموقرة برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس الوزراء الموقر من دعم للمرأة البحرينية ومساندتها على الوصول إلى أعلى المناصب.

ويحق لمملكة البحرين أن تتباهى وتفخر بسيدتها الأولى، صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة العاهل المعظم رئيسة المجلس الأعلى للمرأة، حيث برهنت سموها على مقدرة فائقة على ترجمة رؤية وتطلعات جلالة الملك المعظم من خلال مؤسسة المجلس الأعلى للمرأة، وما يطلقه من برامج ومبادرات نوعية جعلت مملكة البحرين نموذجا عالميا يحتذى في مجال النهوض بقدرات نسائها وتوفير بيئة يمكنهن من خلالها الوصول إلى أعلى المناصب وتحقيق أكبر المنجزات.

لا أقول ذلك من موقع المتابع عن بعد، بل عن خبرة ودراية لعقود طويلة في الدور الحاسم والأساسي في نهضة الأمم وحضارتها، هذا الدور الذي يبدأ من تنشئتها لأسرة صالحة، فكما يقال: المرأة تلد نصف المجتمع وتربي كل المجتمع، فهي حجر الأساس الذي تبنى عليه كل خطط التنمية المستقبلية، وعندما تصلح يصلح المجتمع كله وتنطلق الأمة إلى مستقبل أكثر رغدا ورفاهية وأمنا واستقرار وازدهارا.

هذه الدراية والخبرة تكونت لدي وأنا طفل صغير، رأيتها في وجه أمي رحمها الله، والتي زرعت في داخلي بذرة ما أنا عليه الآن، ورغم أنها توفيت وأنا في سن المراهقة، إلا أنني لا زلت حتى اليوم أنهل من حنانها، بل أتحدث إليها أحيانا، واستشيرها وأشعر أن روحها تلهمني قراراتي وتوجهاتي المستقبلية. ومن خلال أمي أدرك أن صلاح المرأة وتحررها العقلي والفكري والثقافي يجعلها تنشئ عائلة تسهم إيجابا في تنمية ورقي المجتمع.

اعتز بأختَيّ أيضا، بارعة وأمل، وبناتهن بما فيهن أمل علم الدين كلوني، المحامية الدولية الشهيرة، وبزوجتَي أولادي، اللتين يحققن النجاح تلو النجاح في مجالات كثيرة، وغيرهن في محيط عائلتي وعملي، أفخر بهن جميعا، وأرى أن الحياة تبتسم عندما يبتسمن، وأشعر بأني مطمئن أكثر على المستقبل لأن فيه أشخاصًا مثلهن.

وأنا فخور أيضا بأن المرأة رافقتني في جميع نجاحاتي المهنية كإدارية وملهمة وشريك منتج وفاعل ووفي، وأحرص أن يكون رأي المرأة حاضرًا في قراراتي الكبيرة، بل أنا في الواقع ميال للأخذ برأيها إيمانًا مني بصوابيته. وعندما كنت متفرغا للعمل في حقل الإعلانات كنت أقول لعملائي إن عليهم التوجه بخدماتهم ومنتجاتهم نحو المرأة، لأنها غالبا هي من يتخذ قرار الشراء، حتى لو كان المنتج بدلة رجالية، فعلى الأغلب ستقوم المرأة بدور ما في إقناع الرجل بشرائها من عدمه.

ولقد أشرت في مقال سابق إلى أنه منذ قدومي للبحرين في سبعينات القرن الماضي، رأيت نساء بحرينيات رائدات في مجالات نوعية مثل التعليم والصحة وقطاع الأعمال وحتى السياحة والضيافة والفندقة والطيران، ولا شك أن هؤلاء النساء لم يصلن إلى ما وصلن إليه من مكانة ومناصب ويحققن ما حققنه من انجازات لولا تشجيع أهاليهن لهن، وتحفيزهن على الدراسة بما فيها الدراسة الجامعية، بل وابتعاثهن لوحدهن للدراسة في جامعات خارج البحرين، في لبنان وسوريا والعراق ومصر وغيرها، وهذا أمر له دلالة بالغة إذا ما وضعناه في سياقه التاريخي آنذاك.

وبمرور الوقت تسارعت مسيرة تمكين المرأة البحرينية، وبلغت ذروتها مع تأسيس المجلس الأعلى للمرأة في العام 2001، واتابع بين الفترة والأخرى أنشطة هذا المجلس برئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت ابراهيم آل خليفة حفظها الله وجهود أمينته العامة الأستاذة هالة الأنصاري، وأرى أنه بالفعل تحول لبيت خبرة في مختلف قضايا المرأة، بعد أن امتلك خطة وطنية لنهوض المرأة، ومنهجية عمل مؤسسي يخضع دائمًا للقياس والتقييم والتطوير.

لا بد هنا أيضًا من الإشادة بالرجل البحريني المتحضر، الأب والأخ والزوج والزميل والرئيس والمرؤوس في العمل، الذي يقبل وجود المرأة في الحياة العامة بكل صدر رحب، بل ويبذل كل ما في وسعه لدعمها ودفعها للارتقاء بنفسها علميًا وثقافيًا وعمليًا، ولا يغار من نجاحها، حتى إنني أعرف رجالاً يتقاسمون مع زوجاتهن أعباء المنزل ورعاية الأطفال بفخر، بل ربما يقومون وحدهم بتلك المهام فيما لو انشغلت الزوجة بعمل أو سفر.

والمرأة البحرينية لم تكن يومًا رهنية العادات والتقاليد والثقافات البالية، بل منذ أيام الغوص عندما كان الرجل يذهب لأشهر في رحلة غوص بعرض البحر، تتولى المرأة خلالها ليس مسؤولية رعاية الأبناء والقيام بالأعباء المنزلية، بل تخرج أيضا للعمل في الزراعة وتذهب للأسواق وتقوم بكل ما يقوم به الرجل من أعمال، وما السيدات البحرينيات الناجحات اللواتي نراهن اليوم هن أحفاد تلك النساء الشجاعات متفتحات الذهن، المتمسكات بالعادات البحرينية الأصيلة دون أن تحد من قدرتهن على العمل والإنتاج.

هنيئا لقيادتنا الرشيدة، ولسيدة البحرين الأولى، ولجميع نساء البحرين في عيدهن، وإلى مزيد من العطاء والعمل والإنجازات المشرقة المشرفة.