من يتابع كثيرا من وسائل الإعلام العالمية والغربية خصوصا، والتقارير من بعض الجهات المختصة وبيوت الخبرة، ومن يشاهد التوجه السياسي لبعض الدول فيما يخص الوقود الأحفوري عموما والنفط خصوصا، ومن يتابع ذلك من غير المختصين أو المطلعين على قطاع الطاقة، سيظنون أن شمس الوقود الأحفوري قد أفلت، وأن العالم قد أحرز اختراقا علميا وتقنيا لمادة تعوض النفط وتغني عن استخداماته وتطبيقاته التي لا تعد ولا تحصى!

الحقيقة التي يجب الوقوف عندها وإدراكها، بل نشر الوعي حولها لأهميتها التي لا تحجب بغربال، أن العالم ما زال وسيبقى متعطشا لجميع مصادر الطاقة دون استثناء، وأن التحولات السياسية والاقتصادية العالمية الحالية على أثر جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، تؤكد أن العالم أشد حاجة من أي وقت مضى إلى استقرار أسواق الطاقة واستدامتها وسلامة إمداداتها.

العالم ينمو في جميع المجالات نموا مطردا، وهذا النمو يرافقه بطبيعة الحال نمو في الطلب على الطاقة، وعلى رأسها الوقود الأحفوري، وعليه الواقع يحتم والحكمة تقتضي أن يعمل الجميع على رفع كفاءة إنتاج واستهلاك جميع مصادر الطاقة دون استثناء، وليس السعي الحثيث إلى إقصاء بعض مصادر الطاقة أو محاولة تهميشها، ولن ينقذ العالم وضع النفط في قفص الاتهام والسعي الحثيث إلى تقويض صناعته.

النمو العالمي متسارع ويعني بالضرورة وجود إمدادات موثوقة ومستقرة للطاقة تغذي شرايين العالم لتواكب هذا النمو، وهذا هو التعريف الحقيقي لمصطلح أمن الطاقة العالمي الذي اتفق عليه العالم أجمع، ونادوا به من على كل منبر، فماذا تغير؟ من يقف على الدراسات الاستشرافية للطاقة العالمية يجد أن المشكلة ليست في التباين في استشراف مستقبل مصادر الطاقة العالمية، وعلى رأسها الوقود الأحفوري، من قبل بيوت الخبرة ومراكز الدراسات والأبحاث المختصة في هذا القطاع، بل التطرف في التعاطي مع القضايا المتعلقة بمستقبل الطاقة وتسييسها.

على سبيل المثال لا الحصر، إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تتوقع أن حصة مصادر الطاقة في 2050 ستكون على النحو التالي، النفط 28.1 في المائة، تليه الطاقة المتجددة بـ26.4 في المائة، ويأتي الغاز ثالثا بنسبة تقارب 21.9 في المائة، وفي المرتبة الرابعة يأتي الفحم بنحو 19.7 في المائة، وأخيرا الطاقة النووية بما يقارب 3.9 في المائة من إجمالي مصادر الطاقة العالمية.

أي أنه خلال العقدين المقبلين على أقل تقدير - بحسب إدارة الطاقة الأمريكية - سيبقى النفط متربعا على عرش أهم مصادر الطاقة وأكثرها حصة، ناهيك عن استخداماته وتطبيقاته التي تدخل في جل الصناعات، بل يصل إلى حياتنا اليومية وما حولنا!

السؤال الطبيعي ههنا: هل يستقيم عقلا ومنطقا أن تنادي وكالة الطاقة الدولية بالتوقف عن أي مشروع جديد للتنقيب عن النفط أو الغاز غير المشاريع المتفق عليها سابقا، والوصول إلى الحياد الكربوني في هذا العام، بينما تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية بناء على الأرقام السابقة أن يشكل الوقود الأحفوري نحو 70 في المائة من مصادر الطاقة العالمية في العام ذاته؟

أعتقد أنه ليس هناك تباين في استشراف مصادر الطاقة العالمية، بل هناك تباين في الأجندات السياسية والاقتصادية في التعاطي مع هذا الملف الحيوي والاستراتيجي، وأن من وضع النفط "المفترى عليه" في قفص الاتهام، عاد وأخرجه، بل احتضنه مع بداية إرهاصات أزمة للطاقة العالمية، فماذا سيفعلون به عند وقوع الأزمة فعليا؟