مقارنة بزيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ الرياض للمشاركة في ثلاث قمم: سعودية، خليجية وعربية مع الصين، ستصبح زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الرياض في تموز (يوليو) الماضي باهتة بعض الشيء، وإن يكن برنامجا الزيارتين متشابهين في الشكل.
فالحفاوة التي يلقاها الزائر الصيني غير مسبوقة، وحماسة العديد من قادة الدول العربية للقائه والمشاركة في أعمال القمم التي ستستضيفها الرياض تكشفان عن مقاربة إقليمية جديدة للعلاقات مع الصين، في وقت ترزح فيه العلاقات الأميركية مع دول المنطقة، ولا سيما الحلفاء، في حالة من الركود اللافت، إن لم نقل من البرودة التي يصعب إخفاؤها.

وبعيداً من الحفاوة الكبيرة التي استُقبل بها شي جينبينغ لدى وصوله إلى الرياض، يمكن القول، كما قالت الناطقة باسم الوفد الصيني، إن هذا النشاط الصيني على مستوى القمة يعتبر الأول والأهم والأكبر منذ قيام العلاقات بين الصين ودول المنطقة. ومن هنا اهتمام الرئيس الصيني بأن تكون هذه الزيارة والقمم التي ستجمعه بدول المنطقة، بدءاً بالمملكة العربية السعودية، فاتحة لترسيخ العلاقات القائمة حتى الآن على مستوى التبادل التجاري لدفعها إلى الأمام نحو شراكات استراتيجية تتعدى الجانب التجاري وحده.

وشي جينبينغ الذي يخرج للمرة الأولى بعد جائحة كورونا من الدائرة الإقليمية القريبة من الصين، في زيارة رسمية للسعودية تختصر في حد ذاتها زيارة كل دول المنطقة واحدة واحدة. فالصين شريك تجاري يتبوأ الموقع الأول مع معظم الدول المشاركة في القمم، وهي الاقتصاد الثاني الأكبر عالمياً، وقوة كبرى بدأت في الأعوام الأخيرة تخرج من سياستها الخارجية التقليدية المتحفظة والمنكفئة نحو الداخل. فمشروع "الحزام والطريق" الذي أطلقه شي جينبينغ عام 2013 خطا خطوات كبيرة، وإن يكن قد تعثر في بعض الدول، أو واجه صعوبات. لكن المشروع وصل إلى دول الخليج في شكل استثمارات في البنى التحتية وعدد من المرافئ في دول مجلس التعاون الخليجي ومحيطها الإقليمي المباشر.

أكثر من ذلك، تأتي أهمية زيارة الرئيس الصيني الذي جدد لولاية ثالثة أميناً عاماً للحزب الشيوعي الحاكم في الصين من خلال ارتفاع منسوب التنافس بين بكين وواشنطن. وهذا التنافس بحد ذاته يمثل فرصة ثمينة للدول المركزية في المنطقة مثل المملكة العربية السعودية، لكي تفتح مروحة خياراتها على صعيد علاقتها الدولية. وبطبيعة الحال، يستحيل على أي دولة في عالم اليوم أن تتجاهل قوة اقتصادية وجيوسياسية مثل الصين بدأت تخرج من "القمقم" وستكون في واجهة الصدارة الدولية إلى جانب الولايات المتحدة كمنافس جدي في مجالات مختلفة، تتراوح بين انتشار النفوذ السياسي والاقتصادي والمالي، والاستحواذ على مواد أولية نادرة، أو تطوير صناعات تكنولوجية متطورة. في هذا السياق، يمكن لدول المنطقة أن تعتبر بدء خروج الصين إلى العالم بمثابة عامل إيجابي يحول دون استئثار الولايات المتحدة بعلاقات معها، كانت حتى الآن تقوم من الناحية العملية على مبدأ مقايضة استقرار التدفقات النفطية بالمظلة الأمنية الأميركية.

من بوابة الرياض سيطل الرئيس الصيني للمرة الأولى على العالم العربي بمعظم دوله المركزية، وكأنه يطل على الإقليم العربي المشرقي برمّته. وبغض النظر عن الأرقام، فإن المنطقة تبقى من أهم المناطق في العالم بالنسبة إلى النشاط التجاري الصيني، فضلاً عن أنها المعبر الجغرافي مع كل أوروبا وشمال أفريقيا، ومروحة المصالح المشتركة واسعة للغاية، وتحتمل الكثير من التوسيع والتطوير.

ولمناسبة زيارة الرئيس الصيني، لا بد من التطرق إلى واقع العلاقات الأميركية مع دول المنطقة التي تراجعت في الآونة الأخيرة، وقد ساد سوء التفاهم جوانب عدة من علاقات واشنطن بعدد من العواصم المركزية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية. هذا ليس سراً، ويكفي أن يراجع المراقب مسلسل العلاقات في عهد الرئيسين باراك أوباما وجو بايدن ليتبين حقيقة التراجع الذي نتحدث عنه. ولم تنجح زيارة بايدن الأخيرة للسعودية والقمم الثلاث التي جمعته بقادة دول المنطقة الرئيسية في تبديد الغيوم التي ظللت هذه العلاقات، ليس مع الرياض وحدها، بل مع معظم الدول الرئيسية التي شاركت في القمم. لكن مع ذلك لا يمكن القول إن دول المنطقة تفكر في استبدال علاقاتها مع الولايات المتحدة، وهي قديمة وراسخة وأكثر تعقيداً مما يعتقد كثيرون، بعلاقات مع الصين من المستوى نفسه. العلاقات مع أميركا شيء والعلاقات مع الصين شيء مختلف. لكن الجديد أن خيارات السعودية والعديد من دول المنطقة ستكون مفتوحة على المستوى الاستراتيجي.

في مطلق الأحوال، نعتقد أن الرئيس الصيني سيكتشف أنه من خلال زيارته هذه والقمم الثلاث التي سيشارك فيها، سيشعر وكأنه دخل إقليماً بكامله. فالمنطقة هي الأخرى مستعدة لتوسيع مروحة خياراتها الإستراتيجية على أكثر من صعيد.