تابعت مع الملايين تلك الخطوات الواسعة التي قطعها الأزهر الشريف مع دولة الفاتيكان خلال الأعوام القليلة الماضية، وأدركت أننا ندعم مسيرة التعايش المشترك بين أهل الكتاب، وازدادت سعادتي كثيراً عندما انضمت دول أخرى إلى المسيرة، خصوصاً أن تلك الدول تملك إمكانات مادية وإعلامية تسمح بتغطية أحداث تلك المقاربة الواعدة الجديدة، ولا بد أن أشيد هنا بالجهود الكبيرة للإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، في السنوات الأخيرة، خصوصاً على الصعيد الخارجي، ولقد وعى ذلك الداعية الكبير الدور المحوري للأزهر الشريف، ومضى به متقدماً نحو مفهوم التسامح الكامل والتآخي الشامل بين أتباع الديانات المختلفة، وقد حضرت شخصياً، منذ سنوات عدة، مؤتمراً جامعاً في دولة إسبانيا تحت رعاية الملك السعودي الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، وبحضور الملك الإسباني السابق خوان كارلوس، وبهرتني الروح التي بدأت تدب في وجدان المسلمين والمسيحيين، وقد انتقلت تلك المشاعر من حدود القرى والمدن إلى مراكز صنع القرار، وأصبحت مادة مطروحة على الساحة الدولية لعلها تصلح الأوضاع المتدهورة لمفهوم الأمن والسلم الدوليين، ولكن تبقي لنا بعض الملاحظات التي نطرحها في هذا السياق:

*أولاً: إن الحوار لا يكون بين الديانات، أي أنها ليست مجادلات إيمانية، فلكلٍّ عقيدته التي يحترمها الطرف الآخر، ولا مقارنة بين الديانات، ولا تنابذ في المعتقدات، لأن الحوار يدور حول أوضاع أتباع كل دين والمشكلات المشتركة بين البشر جميعاً، لأن الحوار الديني كان في فترة من تاريخ البشرية نوعاً من التراشق العقائدي الذي لا مبرر له، ولا جدوى منه، بل إن جوهر دعوة الديانات جميعها، سماوية أو أرضية، هو الحث على الفضيلة ونبذ الرذيلة ونشر المحبة والسلام بين البشر.

*ثانياً: إن الكنائس الشرقية، روسية أو يونانية أو أرمنية أو غيرها، خصوصاً الكنيسة الوطنية المصرية المعروفة بنقائها وثبات مبادئها، أحق بأن تكون طرفاً في الحوار الذي يمكن أن يشد الجانب المسيحي في القارة الإفريقية نحو بؤرة حوار مفيد لكل الأطراف، فالكنيسة الحبشية كانت ربيبة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر، وينسحب الأمر نفسه على كنيسة إريتريا، لذلك فإن ذلك التجمع الذي لا نتحدث عنه تفصيلاً لكي لا نقع في الخطأ وننسى إحداها، إنما هو تجمع شرقي يشير إلى الكنائس التي انفصلت عن كنيسة روما ذات يوم، وأصبح لها عشرات الملايين، بل وربما مئات الملايين من المؤمنيين والأتباع.

*ثالثاً: لقد تحدث الإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، عن أهمية إجراء حوار داخلي بين أصحاب الديانة الواحدة، وهو على حق، فنحن بحاجة إلى حوار إسلامي - إسلامي يعصف تماماً بخطاب الكراهية المتبادل بين بعض عناصر الشيعة وعناصر السنة، خصوصاً أنهما يقفان على أرضية واحدة، وتحت مظلة الإسلام الحنيف، وينسحب الأمر نفسه على الكنائس الشرقية التي يجب أن تحسم أمرها، وأن تلتقي على كلمة سواء – وربما هي كذلك بالفعل – استعداداً للدخول في حوار عصري، يجمع ولا يفرق، يوحد ولا يقسم، يجعل من الكنيسة الشرقية عنصر توازن بين الشرق والغرب، ويقدم الإسلام لمن لا يعرفونه بطريقة عادلة، خلافاً لإولئك الذين عرفوه من بعيد، وسمعوا عنه أكثر مما سمعوا منه. أدعو إلى أن تتسع دائرة الحوار التي عرفتها القاهرة وأبوظبي والمنامة، وغيرها، في السنوات الأخيرة بين الحبر الكاثوليكي الأعظم، والإمام الأكبر، لكي تحتوي الكنائس الشرقية، بكل فروعها واتجاهاتها، من أجل عالم يواجه المخاطر، ويتحدى الصعاب، ويدرك قيمة الفترة الحالية التي تمر بها البشرية، وما يكتنفها من غموض وريبة وصعاب.

*رابعاً: إنني أتطلع إلى الكنيسة القبطية المصرية، وحبرها الجليل البابا تواضروس الثاني، لكي يبادر لأن يكون طرفاً في حوار كنسي شرقي، ثم في حوار بين أصحاب الديانات الأخرى على قدم المساواة، لأن كنيستنا الوطنية أولى بأن تقوم بدور كبير في هذا السياق، يتكامل مع دور الأزهر الشريف، وما يسعى إليه من محبة وسلام واستقرار ورفاهية للبشر جميعاً.

*خامساً: إن المبادرة يمكن أن تصدر عن إعلان مشترك بين الأزهر الشريف والكنيسة القبطية في صورة دعوة مفتوحة لأصحاب الديانات في العالم، لكي ينضموا إلى مسيرة تواجه الحروب، وتتحدى الأوبئة وتقاوم التخلف.

إنني لا أبشر بدعوة (طوباوية)، ولكنني أدعو إلى فكر جديد لعالم مختلف نريد أن يسعد فيه الجميع، بلا استثناء..